ينافسون أهل الدنيا في اقتنائها وإعمارها، ويدفعون ثمن هذا جبناً عن كلمة الحق، وخوفاً من الموت في سبيل الله فإنهم يعرضون عن هذا الدين ولا يعتقدون بصحته، إذ يقولون: لو كان أمر الجنة حقاً كما يقول هؤلاء لرغبوا فيها، ولأقبلوا إليها، وهذا الذي وقع طويلاً في أمة الاسلام وشبابها من انقلابهم إلى مذاهب الكفر كالشيوعية والقومية والوطنية، فإنهم لم يروا أهل العلم الذين يؤمنون بالله والدار الآخرة يقودونهم لمعالي الأمور والشجاعة فأعرضوا عنهم إلى قادة كفر يقاتلون تحت رايتهم، فكان في ما تزعمون من الحرص على الحياة سبباً في الردة وسوء الحال، ولولا ما قدّره الله من المجاهدين من أهل الحق والقرآن والسنة لصارت في الأمة ردة أخرى بسبب جبنكم ورغبتكم في الدنيا كما هو بين ظاهر، لكن لما أقام الله قادة الجهاد، وأقبلوا على الشهادة آب الشباب إلى الدين والرغبة في الدار الآخرة اقتداءً بهؤلاء القادة المؤمنين السائرين على ملة ابراهيم عليه السلام في كسر الأصنام وارغام جباه الأعداء في الرغام.
فالناس لا يحتاجون لقوالين بلا أعمال، بل يحتاجون لسلوك سبيل الحق إلى يزهدون في الدنيا ويحبون الموت كما يحب الكفار الحياة.
أما قولكم إن اختيار عاصم للقتال حتى الشهادة يقوي الأتباع على السير على منواله فهذا حق، وهو اختيار ممدوح في الشرع خلافاً لجهالاتكم كما تقدم، فإن المرء إن كان متبوعاً لا تسعه الرخصة، بل لابدّ له من العزيمة التي يحبها الله للصادقين من الأئمة الهداة، وهذا ما فقهه أحمد بن حنبل حين ترك رخصة المعاريض أو متابعة قول الخليفة في خلق القرآن كما فعل غيره، وهو اختيار التابعي الجليل سعيد بن جبير مع الحجاج، وبفعلهم هذا يدخلون باب الأئمة المقتدى بهم كما قال تعالى (( وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يؤمنون ) )وكما قال تعالى (( ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ) )وقال تعالى (( والذين يمسكون بالكتاب إنا لا نضيع أجر المصلحين ) )،فبهذا صار السابقون أئمة للدين، وصرتم أنتم أئمة للجبن ةستر الحق ومسايرة الباطل، فسقطتم من أعين الناس لسقوطكم من عين الله تعالى إلا أن تتوبوا كما قال (( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب، أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا، فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم ) ).
قال ابن كثير: أخرج ابن اسحق عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما أَسلم عمر رضي الله عنه قال: أي قريش أنقل للحديث؟
فقيل له: جميل بن معمر الجمحي.
فغدا عليه.
قال عبد الله: وغدوت أتبع أثره، وأنظر ما يفعل، وأنا غلام أعقل كل ما رأيت، حتى جاءه فقال له:-