فقال: إن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك فقد عبدوا الآلهة التي عبت، وإن كنت تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى نسمع قولك، وإنا والله ما رأينا سخلة قط أشأم على قومك منك، فرقت جماعتنا، وشتت أمرنا، وعبت ديننا، وفضحتنا بين العرب، حتى لقد طار فيهم أن في قريش ساحراً، وأن في قريش كاهناً، والله ما ننتظر إلا مثل صيحة الحبلى أن يقوم بعضنا الى بعض بالسيوف حتى نتفانى، أيها الرجل: إن كان إنما بك الحاجة جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلاً واحداً، وإن كان إنما بك الباءة فاختر أي نساء قريش شئت فلنزوجك عشراً، فقال رسول الله:- فرغت؟ قال: نعم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم (( حم، تنزيل من الرحمن الرحيم .. حتى بلغ فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ) )فقال عتبة: حسبك، حسبك، ما عندك غير هذا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( لا ) ). فرجع إلى قريش. قالوا: ماوراءك؟ قال:- ما تركت شيئاً أرى أن تكلمون به إلا كلمته، فقالوا: فهل أجابك؟ قال: نعم، لا والذي نصبها بنية (أي الكعبة) ما فهمت شيئاً مما قاله غير أنه أنذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود. قال ابن كثير: وهكذا رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في سنده، ورواه غيره بألفاظ أخرى.
وكان مما قصه الله على رسوله في هذا الوضع قصة أبيه ابراهيم عليه السلام وكسره للأصنام، وهو فعل مادي ضد معبودات قومه، وقد جر هذا الفعل المادي على أبي الأنبياء أموراً من البلاء، لم يكن واحداً منها يحقق الهداية لقومه، بل زادهم صلابة في باطلهم، ودفعهم إلى مزيد ضلال واجرام ضد ابراهيم الخليل عليه السلام، إذ تجاوزوا العقبة بأن أرادوا قتله.
من المعلوم أن القرآن قصّ علينا سيرة ابراهيم الخليل فتى، وقصها علينا كهلاً، وسيرة ابراهيم عليه السلام تساق مرات في سياق قدوم الملائكة عليه مروراً بالبشرى في ولده اسحق عليه السلام إلى هلاك قوم لوط عليه السلام كما في سورة هود حيث يقول الله تعالى:- ولقد جاءت رسلنا ابراهيم بالبشرى قالوا سلاماً قال سلام، فما لبث أن جاء بعجل سمين، فلما رأى أيديهم لا تصل إليهم نكرهم وأوجس منهم خيفة، قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط )) وكذلك ذكرت في هذا السياق في سورة الذاريات كما قال تعالى (( هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين ... ) )إلى قوله تعالى: قال فما خطبكم أيها المرسلون، قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين .. إلى قوله تعالى (( وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم ) )وفي سورة الحجر كذلك كذلك ذكرت قصة في نفس السياق أي سياق مجيء الملائكة لتدمير قوم لوط وذلك في قوله تعالى (( ونبئهم عن ضيف ابراهيم ... ) ).وذكرت قصة مع قومه دون ذكر حادثة كسر الأصنام في سورة الشعراء كما في قوله تعالى (( واتل عليهم نبأ ابراهيم .. إلى قوله تعالى (( فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين ) )،دون ذكر السياق السابق.