بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد
القصص القرآني عظة الله تعالى للحبيب المصطفى ولأصحابه في مكة المكرمة، لأن أغلبها مكي النزول، وهذه القصص كانت تخدم السيرة النبوية من جهات متعددة، منها ما هو تسلية للمؤمنين بأن ما هم فيه قد جرى نوعه مع الأنبياء السابقين وأتباعهم، ومنها ما هو فتح لسبيل العمل الذي يهديهم الى اتباعه وانتهاجه، والاقتداء بالقصص القرآني لا يكون بالمطابقة في كل أحداث القصة، بل يكون بالعبرة في معنى من المعاني فيها، والفرق مهم بين الأمرين، فإن ظن البعض أنّ سير السالفين تحكى من أجل السير على منوالها حذو القذة بالقذة خطأ أوردهم المهالك والجهالات، وهذه جهالة في المنهج والعقل كذلك، لأن المقتدي التابع له واقع، وهذا الواقع يحكم حركته، لا واقع المقتدى السالف، فالموجب هو الواقع لا القصة الذاهبة مصدر العبرة، أما الذين يفرضون القصة الذاهبة على الواقع الذي يعيشونه فهم أبعد الناس عن المنهج العلمي بل العقل.
لقد قص الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حادثة أهل الكهف في مكة، فهل ترى الصحابة فهموا منها السير على منوالها كما هي، أي الدخول فيها دخولاً كلياً؟! أم أنهم فهموا العبرة والمعاني الكلية لهذا الحادث الإيماني القدوة!! ثمّ ما هو القدر الذي يحتاجونه من القصة ليعملوا به تحقيقاً للاقتداء؟.
عِبَر حادثة أهل الكهف كثيرة معروفة في كتب أهل العلم، لكن القدر اللازم للصحابة في زمانهم للإقتداء بها هو الهجرة، والهروب بالدين من أن يفتن من قبل المشركين، وجواز أن يستر المرء دينه ونفسه في وسط الكفر مخافة العذاب الذي يرده عن معتقده، فهذا هو القدر اللازم من الاقتداء، لكن مسيرة المهاجر بعد ذلك، وما سيلاقيه في هجرته لا تعني أبدا توافق الحدثين في شيء من الصور، ولذلك لما هاجر الصجابة الى الحبشة كانت سيرتهم هناك لا تمت الى سيرة حادثة أهل الكهف بصلة إلا بكون الفريقان مهاجرين فقط.
لقد كثر في القرآن ذكر قصة موسى عليه السلام لأسباب متعددة أهمها مشابهة سيرة موسى عليه السلام لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك كان يذكره النبي محمد صلى الله عليه وسلم في مواطن المشابهة كقوله صلى الله عليه وسلم عندما أوذي من المنكرين عليه قسمة الغنائم في حنين: (( رحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر ) )، فسيرة موسى عليه السلام نموذج متكامل، فهو قد ابتلي في دعوته الى الله ضد فرعون، وابتلي بعد ذلك مع بني اسرائيل بعد هجرته لهم، فهو نموذج للعبرة والاقتداء، لكن هل ترى النبي صلى الله عليه وسلم كان يفرض النموذج الموسوي في كل أحداثه لما يفعل ويتحرك، أم أنه كان يسير على سنن الحكمة التي يقتضيها واقعه؟! لقد أسرّ رسول الله دعوته في البداية، وهذا لم نره قط في دعوة موسى عليه السلام، بل كانت وجهة موسى أولاً إلى فرعون من أجل دعوته للتوحيد واطلاق بني اسرائيل من الأسر والذل والسخرة.