فهرس الكتاب
الصفحة 3 من 76

القدوة لا تعني فرض النموذج المقتدى على الواقع، بل القدوة تعني أولاً فهم الواقع كما هو ثم البحث عن طرق معالجته من خلال القدوة اجمالاً، مع احترام وحكمة الخصوصية التي تناسب الحدث المعاصر.

لقد بيّن أهل التفسير في قوله تعالى (( ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون ) )أن الله عز وجل منذ موسى عليه السلام لم يهلك أمة كاملة بسبب مخالفتها الحق والرسل، وقالوا إن آخر أمة أهلكت لمعصيتها هي القرية التي مسخت قردة وخنازير كما روى ابن جرير في تفسيره عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه، فإذا كان الأمر كذلك فما معنى أن يقص الله على رسوله سيرة نوح وهود وصالح ولوط وشعيب عليهم السلام، وسيرهم تدل أن عاقبة عصيانهم لرسولهم هو الهلاك والدمار، وهذا لن يكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!

هذا السؤال ليس موجهاً للعبرة، بل هو موجه للاقتداء، أي إن العبر لهذه القصص كثيرة مفهومة، لكن علمنا أن قصص الأنبياء لرسول الله صلى الله عليه وسلم هي للإقتداء كذلك، فما هو وجه الاقتداء هنا إن كان معنى الاقتداء هو سحب التاريخ لفرضه على واقع المقتدي في زمان مختلف؟!

لا يمكن لأحد أن يزعم المشابهة في العواقب جميعها إلا بكلمة واحدة هي النصر، أما كيف النصر، وما هو نوعه فهذا شيء يندرج تحته صور كثيرة جداً، مع أن القرآن قص علينا سيرة دعاة قتلوا واستشهدوا ولم يحققوا النصر المادي على خصومهم كما في قصه صاحب يس، وأما قصة أصحاب الكهف فليس فيها إلا الهروب بالدين من الفتن ثم الوفاة في هذا الباب. فالمقصود إذاً من الاقتداء أن الفعل مشروع، اذ قد فعله المهديون من قبلك، وأنّ عاقبته النصر بوجه من الوجوه، لأن التاريخ لا يتكرر عل وجه واحد، وإن كانت علله واحدة، أي بواعث حركة الانسان فيه متشابهة، لكن لا يوجد معركة تشبه أخرى في كل وجه من الوجوه، ولو كان هذا يقع لما كانت الحياة إلا معركة واحدة إنما تنتقل من زمن الى آخر.

هذه ينبغي أن تكون ابجدية في القصور الانساني، وهي كذلك عند العقلاء، لكن مفاهيم العقائد المنحرفة تفرض خرافة الوهم فوق واقع الأشياء، ولذلك كانت البدع هي أكثر ما يحطم العقل، وأشد ما تصيب الانسان ما تصيب الانسان حتى يغدو فاقداً الفناء، أو الذهاب إلى الهامش، وسيؤسر داخل حلقة اليزيدي، وحلقة اليزيدي هذه نموذج في فرض الوهم على الواقع، فإن اليزيدي (أي عابد الشيطان أو كما يسمونه طاووس ملك) لو صنعت حوله دائرة فإنه في اعتقاده لا يستطيع تجاوزها من قبل نفسه، بل يحبس نفسه فيها حتى يأتي من يزيل هذه الدائرة المرسومة حوله، لتصوره أنه محبوس داخل الخط.

في الفقه الشرعي: الواقعة أولاً ثم الفتوى أي لابد من فهم الواقع أولاً، ثم يأتي الفقيه المجتهد لها بالحل الشرعي من نصوص الكتاب والسنة.

في واقعنا من قلب المعادلة، فهو يريد أن يفرض التاريخ على الواقع، ويزعم أن هذا هو الدين، ويزداد وهمه حين يزعم أنه يسير على سنن السابقين حذو القذة بالقذة.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام