فهرس الكتاب
الصفحة 64 من 76

المعاني في حياة الناس، ولقد كان الناس قديماً يصرفون الحق ويعترفون بالتقصير، لكن بسبب جهالة الفقهاء الجدد لمعالم الدين وحقائقه جعلوا الباطل ديناً، وجعلوا الشهوة سنة، وجعلوا معاصي الناس شرعاً يتبع، ولذلك فليس غريباً عنكم أنكم أفتيتم للمسلمين جواز الربا في دار الحرب، لا لأن مقتضى الفقه وأدلته قوّت لكم هذا الرأي، بل لأن هذا القول يحقق لكم مرجح القول بين المذاهب، هذا المرجح هو تحقيق الشهوة وحب الدنيا.

لقد قال بعضكم بجواز الربا في دار الجرب اليوم للمسلمين، فهلا اتقيتم الله وسميتم هذه الديار بديار حرب فاضطرد هذا الفقيه لديكم في مسائل دار الحرب التي تقرؤونها في كتب الفقه؟ أم أنكم شققتم الفتوى نصفين، مع أن بابها واحد، فأخذتم ما تحبون وتركتم ما لا تشتهون؟ فهل هذا هو الفقه الشرعي أم هو التشهي كما سماه الامام الشافعي رحمه الله تعالى ثمّ إن أحدكم -وهو كبير فيكم- أجاز أخذ الربا لبناء البيوت في بلد من بلاد الاسلام التي حكمها المرتدون، لأنها عنده دار حرب كما قال، فهلا قال لنا ولكم إن صدق مع الله ومع المؤمنين ومع فقه الأئمة الهداة لم صارت هذه الدار دار حرب، وإن كانت كذلك فما هو واجب المسلمين تجاه الطائفة التي حولتها من دار اسلام إلى دار حرب؟

لقد أخذ القوم من الفقه ما يحقق لهم متاع الحياة الدنيا وزهرتها، فهي دار حرب في الأبواب المالية التي تزيد أحوالهم وشهواتهم، وهي كذلك ليست دار حرب ولا دار ردة في الأبواب التي توجب على المسلمين الجهاد وغير ذلك من التكاليف الايمانية.

هكذا صار الفقه الجديد، وهذه هي أصول الفقه عندهم، ثم يقال بعد ذلك في هؤلاء أنهم أهل الذكر الذين وجب على المسلمين أن يقتدوا بهم في الجهاد والموت والرغبة في الدار الآخرة.

لقد قال الفاروق كلمة عظيمة، غمط فيها نفسه فقال: (( من أراد المال فليأتني، ومن أراد الفقه فعليه بفلان، ومن أراد القرآن فعليه بفلان ) )،ونحن نقول:- من أراد فقه الدنيا ومجبتها والرغبة في زيادتها فليأتكم، ومن أراد الدين والجهاد والدار الآخرة فلا يقف ببابكم، بل فليلحق بأهل هذا الباب من وراث مذهب ابراهيم الخليل عليه السلام وكسره للأصنام.

قال عروة بن الزبير: عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم -يزيد أحدهما على صاحبه- قالا:- خرج النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية في بضع عشرة مئة من أصحابه، فلما أتى ذا الحليفة قلّد الهدي وأشعره، وأحرم منها بعمرة، وبعث عيناً له من خزاعة، وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى كان بدير الأشطاط أتاه عينه، قال:- إن قريشاً أجمعوا لك جموعاً، وقد جمعوا لك الأحابيش، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت ومانعوك.

فقال:- أشيروا أيها الناس عليَّ، أترون أن أميل إلى عيالهم وذراري هؤلاء الذين يريدون أن يصدونا عن البيت؟ فإن يأتونها كان الله عز وجل قد قطع عيناً من المشركين، وإلا تركناهم محروبين.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام