الفصل الثاني
ردود فعل معاصرة على حادثة كسر الأصنام
موقف الفقهاء الجدد:-
لقد تم الحدث الإبراهيمي، وأحدث ضجة مدوية، واضطر بعض المشايخ والمفتين والخطباء إلى اجتماع عاجل لتدارس الموقف الشرعي منه، وقد دعي إلى الاجتماع هيئات العلم المختلفة في البلدان، واتحادات العلماء الموزعة في الأقطار ورؤساء المؤسسات الرسمية الشرعية، وبعد اجتماعات سريعة خرجوا بالدراسة التالية:-
بعد التداول الجاد، وكون هذا العمل قد قام به مسلمون، يدّعون نصرة الإسلام وإقامة الحجة، ويزعمون أن فعلهم حسن ممدوح في الشرع، وكون آثاره تتعدى على المسلمين جميعاً فإننا ابراءً للذمة، وبياناً للحق نعرض في هذه الدراسة موقف الشرع حتى يعرف الناس، مسلمهم وكافرهم الحق من الباطل.
إن هذا الفعل الذي قام به شباب مبتدؤون ليس لهم رسوخ في العلم، ولم يعرف عنهم صفة علمية تؤهلهم لمعرفة الحق من الباطل عمل غير مشروع، ويتعارض مع الاسلام من وجوه عدة أهمها:
1 -لقد زعم الفاعلون أنهم يريدون بهذا نصرة الاسلام وكيد الكافرين وتحقيق الأجور بذلك، وهم ينسون أن هذا الفعل قد أساء لسمعة الإسلام وسمعة المسلمين، إذ أظهرهم بمظهر ضعيف الحجة الذي يعجز عن اثبات حقه بالبيان والدعوة والجدال بالتي هي أحسن كما أمر الله تعالى فذهب يضرب ويؤذي، فعلم الناس من صنيعه هذا ضعف حجته مما نفرهم من الاسلام والمسلمين، فلو سلك هؤلاء الفتيان طريق الأنبياء كما قال الله لموسى وهارون وهما ذاهبان إلى أعتى كفار الأرض في زمانه (( فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى ) )،لكان في سلوكهم ما يجعل الناس يقبلون على الإسلام ويحبونه، بدل أن ينتشر بغضه والخوف منه وسبه كما هو واقع الآن بعد صنيعهم هذا.
إن الكفار الذين آذوا هؤلاء الفتية بعد هذا الفعل كانوا يجادلونهم ويحاورونهم ويسمعون منهم، بل قد تأكدنا أنهم كانوا يسمحون لهم بالدخول في أعيادهم ومعابدهم واحتفالاتهم، مما يدل أن سبيل الدعوة لم تكن مغلقة في وجوههم، بل كانت ميسرة، بل إن بعضهم من له أقارب هم من علية هؤلاء القوم، وقد جاء الخبر أن أحدهم له والد هو مقدم في قومه، وكان بينه وبين ابنه الفتى المشارك بالفعل حوارات تدل على اتساع صدر الآخرين في سماع حجة هؤلاء الفتيان، ولكن قلة صبرهم، وشدة حماستهم التي كانت في غير موضعها، واستعجالهم البلاء قد دفعهم لهذا الأمر دون تبصر بالعواقب، ولذلك كانت النتيجة المؤلمة حيث قرر أهل البلاد التوقف عن سماع الحق، وعطلوا كل المناظرات السابقة واتجهوا إلى البطش بالفتية المستعجلين كما رأينا.
كل هذا يدل أن فعلهم يخالف القرآن والسنة ومقاصد الإسلام في هداية الخلق، ذلك لأن فعلهم قد نشر البغض للإسلام والمسلمين.
2 -إن نتائج هذا الفعل ضد الفتيان الذين قاموا فيه تدل أنهم حققوا مقاصد المتعصبين ضد الإسلام، فهم كانوا يطالبون دوماً بطرد المسلمين من البلاد، وها قد جاءتهم الفرصة القوية والسانحة، حيث تمَّ طردهم وعظلهم عن محيطهم الدعوي، ولم يكن هذا ليقع إلا بسبب هذه الأفعال المادية المؤذية، فلو اقتصر على الموعظة الحسنة كما كان الشأن سابقاً لما وجد هؤلاء المتعصبون