فهرس الكتاب
الصفحة 54 من 76

فانظروا ما جنت حكمتكم الجبانة، وانظروا ما جنت حكمة السابقين، إذ أن أمر الأمة بكم إلى سفول وتراجع، وأما مع السابقين فقد كان البلاء ولكن كان النصر والتمكين.

أما عدم قبولكم لقول الفاروق: فأحلف بالله لو قد كنا ثلاثمئة رجل لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا )) فهذا من جلهلكم بمعنى اليد لحظة الاستضعاف، فإن معنى الكف عند بعضكم هو الدخول في طوائف الكفر عملاً ورعاية لها، حتى يكون الواحد منكم ركناً من أركانها، ووزيراً من وزرائها، بل إن بعضكم ألف لجهله كتباً يجيز للمسلم أن يدخل في خدمة الطواغيت الأصليين من الكفار المحتلين، مع أنه يسمّي المجاهدين بالضالين والخوارج كذباً على الله وعلى دينه وعلى المؤمنين، ومعنى كف اليد عند بعضكم هو الذهاب إلى مذهب الكافرين المشركين كمذهب غاندي الذي دعا إلى مذهب الجهل، هذا المذهب الذي يناقض فطرة الله في الخلق، انساناً كان أو حيواناً، إذ أن صاحبه يدعو إلى أن يرمي الرجل يديه على جنبه دون حراك حتى لو رأى مسالحة الطاغوت يغتصبون عرضه، وهذا لعمر الحق ليس خروجاً عن الاسلام فقط، بل هو خروج عن حد الانسانية إلى صنف الخنازير من أهل الدياثة.

أما قولكم: إن هذا زمن الاستضعاف، فهو كذب على الله تعالى وعلى أنفسكم، اذ المستضعفون في الكتاب هم من قال الله فيهم (( والمستعفون من الرجال والنساء والولدان الذين لا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلاً ) )فهؤلاء حين يكونون مستضعفين لا يعني جواز ما تفعلونه من الضلال، بل هم يعتزلون الباطل ولا يدخلون فيه، إنما لضعفهم وعدم حيلتهم لم يقدروا على الهجرة، ولم يقدروا على الدخول في سلك المجاهدين في بلدهم، أي في هدي وراث ابراهيم عليه السلام من محطمي الأصنام، فهل يجوز لكم أن تحرموا عزائم المقامات الايمانية التي تحيي دين ابراهيم وابنه محمد عليهما الصلاة والسلام وأصحابهما بمحجة الاستضعاف؟

فهب أنكم مستعفون- ولستم كذلك على المعنى المتقدم- فلماذا توجبون على غيركم مرتبة التغيير بالقلب وهي مرتبة أضعف الايمان مع رغبتهم بأن ينالوا أعلى المراتب، وهي مقام حكزة بن عبد المطلب سيد الشهداء، وهو أن يموت المرء في سبيل كلمة الحق؟

أما ما هو معنى فعل الفاروق الذي جهلتموه، فهذا من فقه الصحابة، ذلك أنهم يعدون أفسهم لوراثة الأرض، ومحاربة المشركين، يقولون هذا ويعلنونه، ولا يخجلون منه، وهم في لحظة الاعداد للوراثة يصادمون الجاهلية بما معهم من طاقة ووسع، لا كما يظن البعض من معنى الإعداد الذي لا وجود له إلا في الأوهام والأحلام، وهو البناء خارج دائرة الصراع مع الجاهلية حتى يتم الانقضاض عليها في لحظة واحدة، فمثل هذه الأقوال هي الجهل بسنن الحياة، إذ لا يمكن تصور وجودها إلا في الذهن فقط ككل الاحتمالات الفعلية التي تضحكون بها على أتباعكم، وذلك حين ترسمون لهم تلك الخطط لاحالمة من الوراثة والتمكين خارج دائرة الصراع والمواجهة مع الأعداء.

فالفاروق لم يفهم دين الله أن يكون جزءاً من سلطان الآخر الجاهلي، ويبني نفسه على هذا الفهم كما يفعل اليوم أهل الجهالات تحت دعوى الاستضعاف، بل فهم دين الله أنه وراثة للآخر، ولذلك فهو يسلك من السبل ما يحقق

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام