فهرس الكتاب
الصفحة 5 من 76

لنرى كيف ردات الفعل حوله لو وقع اليوم، وكيف ستنشط الاجتمالات العقلية التي لا حدود لها في تصويره والحكم عليه، وهذا الفعل هو فعل الخليل ابراهيم عليه السلام في كسر الأصنام، وهذه التجربة تكتنفها أمور متعددة منها ما هو خطير حقاً، ومنها ما هو وهمي لا حقيقة له، وما هو حقيقي يتعلق بالخطورة الشديدة في كلام المسلم المتدين عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لأن واقع هذا الكتاب سيكون خارج المألوف، وهو حمل القارئ إلى أسماء جديدة هي في واقعنا، مع أنها في عقل القارئ هي لرجال معصومين أي أنبياء، فإبراهيم عليه السلام هو خليل الله، النبي المعصوم، والقصة في القرآن تحكي عنه، وتمدح فعله، لكن لنتخيل أن فتى مسلماً أراد أن يفعل فعله فكسر أصنام قومه، أو أصنام قوم آخرين مشكرين، فماذا سيقول الناس عنه اليوم؟!

بلا شك سيقولون الكثير من الشر، وهذا الذي سيقولونه سأكتبه هنا في هذه الورقات، وهو منسوب الى شيوخ ومفتين وخطباء مفكرين، وكذلك إلى غير مسلمين من ضباط أمن وأطباء نفسانيين، ومحللين أخبار علمانيين، فهل سيحتمل الناس هذا.! هذه هي المشكلة الحقيقية، غذ مهما حاولت أن أجعل هؤلاء يتكلمون عن فتى معاصر، فإن القارئ مطبوع في ذهنه أن المقصود هو ابراهيم الخليل عليه السلام، لكن أظن أن الأمر مهم لأمور متعددة:-

-بيان انحراف المخالفين لمنهج الأنبياء من أصحاب العمائم ودعاة الفكر الاسلامي وزاعمي الفقه المعاصرين، فإنهم حين يعلقون ويفتون على أحداث معاصرة إنما يسلكون سبيل الضالين في فهم الواقع والشرع، كما أنهم يحكمون على نتائج هذه الأفعال من خلال رؤية مادية غير إيمانية، فإن عندهم الموت في سبيل كلمة الحق خسارة ومفسدة، وأن خسارة المال والأهل والوطن مقاصد مرفوضة في الشرع مقابل الفعل الايماني، وهذا التفسير والمنهج في الأحكام منهج لو عقلوا حقيقته وطبقوه على أفعال الأنبياء وأتباعهم لوجدوا أنهم في صعيد آخر لا يلتقي مع ايمانهم بعصمة الأنبياء، ولا بدعوة القرآن، ولا بحركة المهديين السابقين المقتدى بهم في الخلق، لكن هذا الادراك لهذا الخطأ الجسيم الذي يقع منهم غير موجود، وسبب ذلك هي الأسماء، فإنهم لا ينظرون إلى الفعل من وجهة نظر إيمانية، ولكن ابتداءً تتوجه أنظارهم إلى الفاعل، وهذا لتعطل العقل وزيف دعوى الاجتهاد المرفوعة في زماننا، فهم إن سيقت لهم قصة حدث ما فإنه لابدّ من معرفة الفاعل أولاً، فإن كان ممن يحترم عندهم سكتوا وأجبروا أنفسهم على السكوت، وأما إن كان غير ذلك فإن نشاطهم العقلي يتوجه بقوة الى البحث عن المساوئ والثغرات.

لقد احتاج دعاة الاجتهاد إلى مقدمات طويلة لبيان شرعية فعلهم وأهم هذه المقدمات عدم عصمة الفقهاء وخاصة الأئمة الأربعة، مع أن هذا أمر معلوم من الدين بالضرورة، لكن العلم العقلي شيء والواقع النفسي شيء آخر، فالمقلد الشافعي يعلم أن الشافعي ليس معصوماً وهو يقبل أن يقال إن الشافعي يخطئ ويصيب، لكن لو قلت له في حوار ما: هذه مسألة أخطأ فيها الشافعية، لبرزت عنده أمور متعددة ترفض هذا الكلام، منها السؤال القديم:- من أنت؟ وهو سؤال يمثل الاعتقاد بأن المذهب معصوم لا يخطئ، وكل الأسئلة بعد ذلك، كما كل الحوار التالي لذلك إنما هو صدى لحقيقة نفسية لهذا الاعتقاد مع رفض التصريح به، فعالم العقل المسلم ومنذ مدة طويلة محكوم بالأسماء، وظلال هذه الأسماء هي التي تغشى الفعل قبولاً ورداً، فالصوفي لا يدرس

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام