فهرس الكتاب
الصفحة 46 من 76

فخرج حت أتى المسجد فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ثم قام القوم فشربوه حتى أضجعوه، وأتى العباس فأمبر عليه، فقال:- ويلكم ألستم تعلمون أنه من غفار وأن طريق تجّاركم إلى الشام؟

فأنقذه منهم.

ثم عاد من الغد بمثلها فضربوه وثاروا إليه فأكبَّ العباس عليه.

قال الفقهاء الجدد: هذا حديث لا نأخذ به لمعنى يخالف قواعد الدعوة، وينقض ما نعلم من الموازنة بين المصالح والمفاسد.

أما مناقضة الحديث لقواعد الدعوة، فإن ما فعله أبو ذر ليس فيه إلا إغاظة لقلوب المخالفين للاسلام، إذ لي فيه إلا البلاغ دون المناظرة بالحجة والأدلة، كما ليس في فعله أي حكمة في تبليغ كلمة الحق، فلو خرج إليهم وتألفهم بأن أبان لهم ابتداءً أنه من غفار حتى يضمن عدم ايذائه فيها بدنه، ثم جلس إليهم جلسة المحب الضفيق عليهم لكان لكلام الوقع الحسن على قلوبهم، لكن لما خرج إليهم صارخاً بهذه الكلمة علموا أنهم لم يرو إلا غيظهم واهانتهم فمالوا إلى الشر بأن ضربوه، ون جر على نفسه هذا الايذاء بهذا الفعل لم يكن محسناً للدعوة ولا لنفسه التي أمره الله تعالى بصونها وعدم اهانتها أو ايذائها.

ومما يبين أن فعله لا يقتدى به أنه عاد لنفس العمل مع أَنه علم أنه لا يحقق فعله حكمة الدعوة إلى الله تعالى، ولا تبليغ كلمة الله بالحسنى.

ثمّ إن القصة تبين أن اسلام أبي ذر كان في زمن الدعوة سراً لما رأينا من فعل علي المرتضى رضي الله عنه، من محاولة التخفي وعدم الظهور مع أبي ذر، فيكون أبو ذر قد نقض قاعدة سرية الدعوة.

أما نقض هذا الحديث لقاعدة الموازنة بين المصالح والمفاسد، فإن أبا ذر لم يحقق أي مصلحة قط لا دينية ولا دنيوية، فصراخه بكلمة التوحيد بين ظهراني قريش لم ينصر الإسلام ولم يكسر الشرك، ولم يسلم بفعله أحد، بل زاد أهل الشر شراً، فمع كفرهم زادوا شر ايذاء المسلمين، كما وقع له، وفي هذه مفسدة فإن أبا ذر جر على نفسه الأذى الشديد، فقد جاء في رواية الطبراني أنهم (( ضربوني حتى تركوني كأني نصب أحمر، وكانوا يرون أنهم قتلوني ) )،فهذا ايذاء للنفس التي أمر الله بحفظها، بل هي من الكليات الخمس التي لا يختلف أهل العلم بوجوب صيانتها، فأبو ذر آذاها دون أي مصلحة رجاحة قد قدّرها ابتداءً، إنما أراد أن يسمعهم كلاماً قد سمعوه سابقاً فأنكروه.

فميزان قاعدة المصالح والمفاسد تحكم أن أبا ذر لم يحقق أي مصلحة شرعية، بل وقعت المفاسد الدينية والدنيوية، وكفى بأن فعله زاد كره الكافرين للإسلام وإيذائهم له.

قال أهل الحق والقرآن:-

لعمر الله لقد جئتم إلى الفقه من غير بابه، وفهمتم الدين على غير وجهه، فما أنتم إلا رجال جهل فوق جهل، لا تقيمون شأناً لما أمر الله بإقامته، ولا تراعون المصالح التي أمر الله برعايتها، إما ميزانكم ميزان أهل الدنيا

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام