فهرس الكتاب
الصفحة 97 من 491

وحين يخطئ البشر في التصور أو السلوك ، فإنه يصفهم بالخطأ. وحين ينحرفون عنه فإنه يصفهم بالانحراف.

ولا يتغاضى عن خطئهم وانحرافهم - مهما تكن منازلهم وأقدارهم - ولا ينحرف هو ليجاري انحرافهم! ونتعلم نحن من هذا ، أن تبرئة الأشخاص لا تساوي تشويه المنهج! وأنه من الخير للأمة المسلمة أن تبقى مبادئ منهجها سليمة ناصعة قاطعة ، وأن يوصف المخطئون والمنحرفون عنها بالوصف الذي يستحقونه - أيا كانوا - وألا تبرر أخطاؤهم وانحرافاتهم أبدا ، بتحريف المنهج ، وتبديل قيمه وموازينه. فهذا التحريف والتبديل أخطر على الإسلام من وصف كبار الشخصيات المسلمة بالخطأ أو الانحراف .. فالمنهج أكبر وأبقى من الأشخاص. والواقع التاريخي للإسلام ليس هو كل فعل وكل وضع صنعه المسلمون في تاريخهم. وإنما هو كل فعل وكل وضع صنعوه موافقا تمام الموافقة للمنهج ومبادئه وقيمه الثابتة .. وإلا فهو خطأ أو انحراف لا يحسب على الإسلام ، وعلى تاريخ الإسلام إنما يحسب على أصحابه وحدهم ، ويوصف أصحابه بالوصف الذي يستحقونه: من خطأ أو انحراف أو خروج على الإسلام .. إن تاريخ «الإسلام» ليس هو تاريخ «المسلمين» ولو كانوا مسلمين بالاسم أو باللسان! إن تاريخ «الإسلام» هو تاريخ التطبيق الحقيقي للإسلام ، في تصورات الناس وسلوكهم ، وفي أوضاع حياتهم ، ونظام مجتمعاتهم .. فالإسلام محور ثابت ، تدور حوله حياة الناس في اطار ثابت.

فإذا هم خرجوا عن هذا الإطار ، أو إذا هم تركوا ذلك المحور بتاتا ، فما للإسلام وما لهم يومئذ؟ وما لتصرفاتهم وأعمالهم هذه تحسب على الإسلام ، أو يفسر بها الإسلام؟ بل ما لهم هم يوصفون بأنهم مسلمون إذا خرجوا على منهج الإسلام ، وأبوا تطبيقه في حياتهم ، وهم إنما كانوا مسلمين لأنهم يطبقون هذا المنهج في حياتهم ، لا لأن أسماءهم أسماء مسلمين ، ولا لأنهم يقولون بأفواههم: إنهم مسلمون؟! وهذا ما أراد اللّه - سبحانه - أن يعلمه للأمة المسلمة ، وهو يكشف أخطاء الجماعة المسلمة ، ويسجل عليها النقص والضعف ، ثم يرحمها بعد ذلك ويعفو عنها ، ويعفيها من جرائر النقص والضعف في حسابه. وإن يكن أذاقها جرائر هذا النقص والضعف في ساحة الابتلاء!

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام