ورعايتهن في ظل الأسرة ، لتقذف بهؤلاء المساكين إلى المحاضن ، التي يصطدم نظامها بفطرة الطفل وتكوينه النفسي ، فيملأ نفسه بالعقد والاضطرابات .. وأعجب العجب أن انحراف التصورات الجاهلية ينتهي بناس من المعاصرين إلى أن يعتبروا نظام العمل للمرأة تقدما وتحررا وانطلاقا من الرجعية! وهو هو هذا النظام الملعون ، الذي يضحي بالصحة النفسية لأغلى ذخيرة على وجه الأرض .. الأطفال .. رصيد المستقبل البشري .. وفي مقابل ماذا؟ في مقابل زيادة في دخل الأسرة.
أو في مقابل إعالة الأم ، التي بلغ من جحود الجاهلية الغربية والشرقية المعاصرة وفساد نظمها الاجتماعية والاقتصادية أن تنكل عن إعالة المرأة التي لا تنفق جهدها في العمل ، بدل أن تنفقه في رعاية أعز رصيد إنساني وأغلى ذخيرة على وجه هذه الأرض.
ومن ثم نجد النظام الاجتماعي الإسلامي ، الذي أراد اللّه به أن يدخل المسلمون في السلم ، وأن يستمتعوا في ظله بالسلام الشامل .. يقوم على أساس الأسرة ، ويبذل لها من العناية ما يتفق مع دورها الخطير .. ومن ثم نجد في سور شتى من القرآن الكريم تنظيمات قرآنية للجوانب والمقومات التي يقوم عليها هذا النظام. وهذه السورة واحدة منها ..
والآيات الواردة في هذه السورة تتناول بعض أحكام الزواج والمعاشرة. والإيلاء والطلاق والعدة والنفقة والمتعة. والرضاعة والحضانة ..
ولكن هذه الأحكام لا تذكر مجردة - كما اعتاد الناس أن يجدوها في كتب الفقه والقانون .. كلا! إنها تجيء في جو يشعر القلب البشري أنه يواجه قاعدة كبرى من قواعد المنهج الإلهي للحياة البشرية وأصلا كبيرا من أصول العقيدة التي ينبثق منها النظام الإسلامي. وأن هذا الأصل موصول باللّه سبحانه مباشرة. موصول بإرادته وحكمته ومشيئته في الناس ، ومنهجه لإقامة الحياة على النحو الذي قدره وأراده لبني الإنسان. ومن ثم فهو موصول بغضبه ورضاه ، وعقابه وثوابه ، وموصول بالعقيدة وجودا وعدما في حقيقة الحال! ومنذ اللحظة الأولى يشعر الإنسان بخطر هذا الأمر وخطورته كما يشعر أن كل صغيرة وكبيرة فيه تنال عناية اللّه ورقابته ، وأن كل صغيرة وكبيرة فيه مقصودة كذلك قصدا لأمر عظيم في ميزان اللّه. وأن اللّه يتولى بذاته - سبحانه - تنظيم حياة هذا الكائن ، والإشراف المباشر على تنشئة الجماعة المسلمة تنشئة خاصة تحت عينه ، وإعدادها - بهذه النشأة - للدور العظيم الذي قدره لها في الوجود. وأن الاعتداء على هذا المنهج يغضب اللّه ويستحق منه شديد العقاب.