فهرس الكتاب
الصفحة 445 من 491

ويسددانه - صلى اللّه عليه وسلم - حتى تصنع تلك الجماعة المختارة على عين اللّه. بتوفيق اللّه. على يدي رسول اللّه.

هذه السورة حلقة في سلسلة ذلك الإعداد الطويل ، تستهدف - مع غيرها مما جاء في مثل موضوعها - إقامة عالم رباني خالص في ضمير المسلم. عالم محوره الإيمان باللّه وحده ، يشد المسلمين إلى هذا المحور وحده ، بعروة واحدة لا انفصام لها ويبرئ نفوسهم من كل عصبية أخرى. عصبية للقوم أو للجنس أو للأرض أو للعشيرة أو للقرابة. ليجعل في مكانها جميعا عقدة واحدة. هي عقدة الإيمان باللّه. والوقوف تحت راية اللّه.في حزب اللّه.

إن العالم الذي يريده الإسلام عالم رباني إنساني. رباني بمعنى أنه يستمد كل مقوماته من توجيه اللّه وحكمه ، ويتجه إلى اللّه بكل شعوره وعمله. وإنساني بمعنى أنه يشمل الجنس الإنساني كله - في رحاب العقيدة - وتذوب فيه فواصل الجنس والوطن واللغة والنسب. وسائر ما يميز إنسانا عن إنسان ، عدا عقيدة الإيمان. وهذا هو العالم الرفيع اللائق أن يعيش فيه الإنسان الكريم على اللّه ، المتضمن كيانه نفحة من روح اللّه.

ودون إقامة هذا العالم تقف عقبات كثيرة - كانت في البيئة العربية وما تزال في العالم كله إلى اليوم - عقبات من التعصب للبيت ، والتعصب للعشيرة ، والتعصب للقوم ، والتعصب للجنس ، والتعصب للأرض.

كما تقف عقبات أخرى من رغائب النفوس وأهواء القلوب ، من الحرص والشح وحب الخير للذات ، ومن الكبرياء الذاتية والالتواءات النفسية .. وألوان غيرها كثير من ذوات الصدور! وكان على الإسلام أن يعالج هذا كله في الجماعة التي يعدها لتحقيق منهج اللّه في الأرض في صورة عملية واقعة. وكانت هذه الصورة حلقة في سلسلة هذا العلاج الطويل.

وكان بعض المهاجرين الذين تركوا ديارهم وأموالهم وأهليهم في سبيل عقيدتهم ، ما تزال نفوسهم مشدودة إلى بعض من خلفوا هنالك من ذرية وأزواج وذوي قربى. وعلى الرغم من كل ما ذاقوا من العنت والأذى في قريش فقد ظلت بعض النفوس تود لو وقعت بينهم وبين أهل مكة المحاسنة والمودة وأن لو انتهت هذه الخصومة القاسية التي تكلفهم قتال أهليهم وذوي قرابتهم ، وتقطع ما بينهم وبينهم من صلات! وكان اللّه يريد استصفاء هذه النفوس واستخلاصها من كل هذه الوشائج ، وتجريدها لدينه وعقيدته ومنهجه.

وهو - سبحانه - يعلم ثقل الضغط الواقع عليها من الميول الطبيعية ورواسب الجاهلية جميعا - وكان العرب بطبيعتهم أشد الناس احتفالا بعصبية القبيلة والعشيرة والبيت - فكان يأخذهم يوما بعد يوم

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام