ونسأل: ماذا عند أدعياء العقلية «العلمية» ، من علمهم ذاته ، يحتم عليهم نفي هذا الخلق المسمى بالملائكة ، وإبعاده عن دائرة التصور والتصديق؟ ماذا لديهم من علم يوجب عليهم ذلك؟
إن علمهم لا يملك أن ينفي وجود حياة من نوع آخر غير الحياة المعروفة في الأرض في أجرام أخرى ، يختلف تركيب جوها وتختلف طبيعتها وظروفها عن جو الأرض وظروفها .. فلما ذا يجزمون بنفي هذه العوالم ، وهم لا يملكون دليلا واحدا على نفي وجودها؟
إننا لا نحاكمهم إلى عقيدتنا ، ولا إلى قول اللّه سبحانه! إنما نحاكمهم إلى «علمهم» الذي يتخذونه إلها ..
فلا نجد إلا أن المكابرة وحدها - من غير أي دليل من هذا العلم - هي التي تقودهم إلى هذا الإنكار «غير العلمي» ! ألمجرد أن هذه العوالم غيب؟ لقد نرى حين نناقش هذه القضية أن الغيب الذي ينكرونه هو الحقيقة الوحيدة التي يجزم هذا «العلم» اليوم بوجودها حتى في عالم الشهادة الذي تلمسه الأيدي وتراه العيون.
وتنتهي هذه الموجة بعرض ما وقع للمستهزئين بالرسل. ودعوة المكذبين إلى تدبر مصارع أسلافهم ، والسير في الأرض لرؤية هذه المصارع الناطقة بسنة اللّه في المستهزئين المكذبين:
«وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ ، فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ. قُلْ: سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ، ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ» ..
إن هذه اللفتة - بعد ذكر إعراضهم عنادا وتعنتا وبعد بيان ما في اقتراحاتهم من عنت وجهالة وما في عدم الاستجابة لهذه المقترحات من رحمة من اللّه وحلم - لترمي إلى غرضين ظاهرين:
الأول: تسلية رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - والتسرية عنه ، مما يلقاه من عناد المعرضين ، وعنت المكذبين وتطمين قلبه - صلى اللّه عليه وسلم - إلى سنة اللّه سبحانه في أخذ المكذبين المستهزئين بالرسل وتأسيته كذلك بأن هذا الإعراض والتكذيب ليس بدعا في تاريخ الدعوة إلى الحق. فقد لقي مثله الرسل قبله وقد لقي المستهزءون جزاءهم الحق وحاق بهم ما كانوا يستهزئون به من العذاب ، ومن غلبة الحق على الباطل في نهاية المطاف ..
والثاني: لمس قلوب المكذبين المستهزئين من العرب بمصارع أسلافهم من المكذبين المستهزئين: وتذكيرهم بهذه المصارع التي تنتظرهم إن هم لجوا في الاستهزاء والسخرية والتكذيب. وقد أخذ اللّه - من قبلهم - قرونا كانت أشد منهم قوة وتمكينا في الأرض وأكثر منهم ثراء ورخاء ، كما قال لهم في مطلع هذه الموجة التي ترج القلوب رجا بهذه اللفتات الواقعية المخيفة.
ومما يستدعي الانتباه ذلك التوجيه القرآني: «قُلْ: سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ، ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ» ..والسير في الأرض للاستطلاع والتدبر والاعتبار ولمعرفة سنن اللّه مرتسمة في الأحداث ،