وعَنْ عَائِشَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَمَا يَسْتَحْيِي أَحَدُكُمْ أَنْ يَضْرِبَ امْرَأَتَهُ كَمَا يَضْرِبُ الْعَبْدَ ، يَضْرِبُهَا أَوَّلَ النَّهَارِ ، ثُمَّ يُضَاجِعُهَا آخِرَهُ ، أَمَا يَسْتَحْيِي" [1] ."
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: خَيْرُكُمْ خَيْرَكُمْ لأَهْلِهِ ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي" [2] "
ومثل هذه النصوص والتوجيهات والملابسات التي أحاطت بها ترسم صورة لصراع الرواسب الجاهلية مع توجيهات المنهج الإسلامي ، في المجتمع المسلم ، في هذا المجال. وهي تشبه صورة الصراع بين هذه الرواسب وهذه التوجيهات في شتى مجالات الحياة الأخرى. قبل أن تستقر الأوضاع الإسلامية الجديدة ، وتعمق جذورها الشعورية في أعماق الضمير المسلم في المجتمع الإسلامي ..
وعلى أية حال فقد جعل لهذه الإجراءات حد تقف عنده - متى تحققت الغاية - عند مرحلة من مراحل هذه الإجراءات. فلا تتجاوز إلى ما وراءها: «فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا» ..
فعند تحقق الغاية تقف الوسيلة. مما يدل على أن الغاية - غاية الطاعة - هي المقصودة. وهي طاعة الاستجابة لا طاعة الإرغام. فهذه ليست طاعة تصلح لقيام مؤسسة الأسرة ، قاعدة الجماعة.
ويشير النص إلى أن المضي في هذه الإجراءات بعد تحقق الطاعة بغي وتحكم وتجاوز.
«فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا» ..
ثم يعقب على هذا النهي بالتذكير بالعلي الكبير .. كي تتطامن القلوب ، وتعنو الرؤوس ، وتتبخر مشاعر البغي والاستعلاء ، إن طافت ببعض النفوس: على طريقة القرآن في الترغيب والترهيب.
«إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً» ..ذلك حين لا يستعلن النشوز ، وإنما تتقى بوادره. فأما إذا كان قد استعلن ، فلا تتخذ تلك الإجراءات التي سلفت. إذ لا قيمة لها إذن ولا ثمرة. وإنما هي إذن صراع وحرب بين خصمين ليحطم أحدهما رأس الآخر! وهذا ليس المقصود ، ولا المطلوب .. وكذلك إذا رئي أن استخدام هذه الإجراءات قد لا يجدي ، بل سيزيد الشقة بعدا ، والنشوز استعلانا ويمزق بقية الخيوط التي لا تزال مربوطة. أو إذا أدى استخدام تلك الوسائل بالفعل إلى غير نتيجة .. في هذه الحالات كلها يشير المنهج الإسلامي الحكيم بإجراء أخير لإنقاذ المؤسسة العظيمة من الانهيار. قبل أن ينفض يديه منها ويدعها تنهار: «وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما ، فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها. إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً» ..
(1) - مصنف عبد الرزاق (17944و17945) صحيح
(2) - صحيح ابن حبان - (9 / 485) (4177) صحيح