إن كل أحد،وكل جيل،مخاطب بهذه الآية.ومستطيع - عند التدبر وفق منهج مستقيم - أن يدرك من هذه الظاهرة - ظاهرة عدم الاختلاف،أو ظاهرة التناسق - ما تهيئه له قدرته وثقافته وتجربته وتقواه..
وتلك الطائفة في ذلك الجيل كانت تخاطب بشيء تدركه،وتملك التحقق منه بإدراكها في حدودها الخاصة.
تتجلى هذه الظاهرة.ظاهرة عدم الاختلاف..أو ظاهرة التناسق..ابتداء في التعبير القرآني من ناحية الأداء وطرائقه الفنية..ففي كلام البشر تبدو القمم والسفوح التوفيق والتعثر.القوة والضعف.التحليق والهبوط.
الرفرفة والثقلة.الإشراق والانطفاء..إلى آخر الظواهر التي تتجلى معها سمات البشر.وأخصها سمة «التغير» والاختلاف المستمر الدائم من حال إلى حال.يبدو ذلك في كلام البشر،واضحا عند ما تستعرض أعمال الأديب الواحد،أو المفكر الواحد،أو الفنان الواحد،أو السياسي الواحد،أو القائد العسكري الواحد..أو أيّ كان في صناعته التي يبدو فيها الوسم البشري واضحا..وهو:التغير،والاختلاف..
هذه الظاهرة واضح كل الوضوح أن عكسها وهو:الثبات،والتناسق،هو الظاهرة الملحوظة في القرآن - ونحن نتحدث فقط عن ناحية التعبير اللفظي والأداء الأسلوبي - فهناك مستوى واحد في هذا الكتاب المعجز - تختلف ألوانه باختلاف الموضوعات التي يتناولها - ولكن يتحد مستواه وأفقه،والكمال في الأداء بلا تغير ولا اختلاف من مستوى إلى مستوى..كما هو الحال في كل ما يصنع الإنسان..إنه يحمل طابع الصنعة الإلهية ويدل على الصانع.يدل على الموجود الذي لا يتغير من حال إلى حال،ولا تتوالى عليه الأحوال!
وتتجلى ظاهرة عدم الاختلاف..والتناسق المطلق الشامل الكامل..بعد ذلك في ذات المنهج الذي تحمله لعبارات.ويؤديه الأداء..منهج التربية للنفس البشرية والمجتمعات البشرية - ومحتويات هذا المنهج وجوانبه الكثيرة - ومنهج التنظيم للنشاط الإنساني للأفراد وللمجتمع الذي يضم الأفراد - وشتى الجوانب والملابسات التي تطرأ في حياة المجتمعات البشرية على توالي الأجيال - ومنهج التقويم للإدراك البشري ذاته وتناول شتى قواه