وملامحه،ولا في عقله ومداركه،ولا في روحه ومشاعره.ولا في صورة الكون كما هي في حسه وتصوره.ففي هذا المتحف الإلهي العجيب الذي يضم ملايين الملايين،كل فرد نموذج خاص،وطبعة فريدة لا تتكرر.يمر من خلالها الوجود كله في صورة كذلك لا تتكرر.كما لا توجد بصمة أصابع مماثلة لبصمة أصابع أخرى في هذه الأرض في جميع العصور! وكثير من عجائب الجنس البشري مكشوفة للبصر،تراه العيون: «وَفِي أَنْفُسِكُمْ.أَفَلا تُبْصِرُونَ؟» :وما تراه العيون من عجائبه يشير إلى المغيب المكنون.
وهذه العجائب لا يحصرها كتاب.فالمعلوم المكشوف منها يحتاج تفصيله إلى مجلدات.والمجهول منها ما يزال أكثر من المعلوم،والقرآن لا يحصيها ولا يحصرها.ولكنه يلمس القلب هذه اللمسة ليستيقظ لهذا المتحف الإلهي المعروض للأبصار والبصائر.وليقضي رحلته على هذا الكوكب في ملاحظة وتدبر،وفي متاع رفيع بتأمل هذا الخلق العجيب،الكامن في ذات نفسه وهو عنه غافل مشغول.
وإنها للحظات ممتعة حقا تلك التي يقضيها الإنسان يتأمل وجوه الخلق وسماتهم وحركاتهم وعاداتهم،بعين العابد السائح الذي يجول في متحف من إبداع أحسن الخالقين.فكيف بمن يقضي عمره كله في هذا المتاع الرفيع؟
إن القرآن بمثل هذه اللمسة يخلق الإنسان خلقا جديدا،بحس جديد ويمتعه بحياة جديدة،ويهبه متاعا لا نظير له في كل ما يتصوره في الأرض من متاع.
وعلى هذا النحو الرفيع من التأمل والإدراك يريد القرآن الناس.والإيمان هو الذي يمنح القلب البشري هذا الزاد،وهو الذي يهيئ له هذا المتاع العلوي.وهو بعد في الأرض في عالم الطين! [1]
*-الدليلُ من الآفاقِ قال تعالى: { مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20) [الرحمن/19،20] } .
والبحران المشار إليهما هما البحر المالح والبحر العذب،ويشمل الأول البحار والمحيطات،ويشمل الثاني الأنهار.ومرج البحرين أرسلهما وتركهما يلتقيان،ولكنهما لا
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (6 / 3379)