إنها حقيقة العلاقة بين القيم الإيمانية والقيم الواقعية في الحياة البشرية،وحقيقة اتصال طبيعة الكون ونواميسه الكلية بالحق الذي يحتويه هذا الدين..وهي حقيقة في حاجة إلى جلاء وتثبيت وبخاصة في نفوس الذين يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا والذين لم تصقل أرواحهم وتشف حتى ترى هذه العلاقة أو على الأقل تستشعرها.. [1]
وهذه القاعدة التي يقررها القرآن في مواضع متفرقة،قاعدة صحيحة تقوم على أسبابها من وعد اللّه،ومن سنة الحياة كما أن الواقع العملي يشهد بتحققها على مدار القرون.والحديث في هذه القاعدة عن الأمم لا عن الأفراد.وما من أمة قام فيها شرع اللّه،واتجهت اتجاها حقيقيا للّه بالعمل الصالح والاستغفار المنبئ عن خشية اللّه..ما من أمة اتقت اللّه وعبدته وأقامت شريعته،فحققت العدل والأمن للناس جميعا،إلا فاضت فيها الخيرات،ومكن اللّه لها في الأرض واستخلفها فيها بالعمران وبالصلاح سواء.
ولقد نشهد في بعض الفترات أمما لا تتقي اللّه ولا تقيم شريعته وهي - مع هذا - موسع عليها في الرزق،ممكن لها في الأرض..ولكن هذا إنما هو الابتلاء: «وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً» ثم هو بعد ذلك رخاء مؤوف،تأكله آفات الاختلال الاجتماعي والانحدار الأخلاقي،أو الظلم والبغي وإهدار كرامة الإنسان..
وأمامنا الآن دولتان كبيرتان موسع عليهما في الرزق،ممكن لهما في الأرض.إحداهما رأسمالية والأخرى شيوعية [2] .
وفي الأولى يهبط المستوي الأخلاقي إلى الدرك الأسفل من الحيوانية،ويهبط تصور الحياة إلى الدرك الأسفل كذلك فيقوم كله على الدولار!!
وفي الثانية تهدر قيمة «الإنسان» إلى درجة دون الرقيق وتسود الجاسوسية ويعيش الناس في وجل دائم من المذابح المتوالية ويبيت كل إنسان وهو لا يضمن أنه سيصبح ورأسه بين كتفيه لا يطيح في تهمة تحاك في الظلام! [3]
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (4 / 1903)
(2) - سقطت الشيوعية بلا رجعة
(3) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (6 / 3713)