ينسى الآخرة،وإما أن تجذبه الآخرة رويداً رويداً حتى ينسى الدنيا.وكلاهما فى نظر الإسلام اختلال.فالأول ينشغل بالسعى وراء الرزق والحصول على أكبر قدر من متاع الدنيا،والآخر يزهد فى متاع الدنيا وينشغل عن طلب الرزق وتعمير الأرض.ويصبح كل منهما مقصراً وآثماً فى حق الله0
إنما يحدث التوازن الذى تشير إليه الآية: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (77) سورة القصص
حين ترتبط الدنيا والآخرة فى حس الإنسان فيعمل للآخرة وهو يعمل للدنيا فى ذات الوقت.فلا يهمل العبادة ولا يهمل عمارة الأرض0
وفي هذا يتمثل اعتدال المنهج الإلهي القويم.المنهج الذي يعلق قلب واجد المال بالآخرة.ولا يحرمه أن يأخذ بقسط من المتاع في هذه الحياة.بل يحضه على هذا ويكلفه إياه تكليفا ،كي لا يتزهد الزهد الذي يهمل الحياة ويضعفها.
لقد خلق اللّه طيبات الحياة ليستمتع بها الناس وليعملوا في الأرض لتوفيرها وتحصيلها ،فتنمو الحياة وتتجدد ،وتتحقق خلافة الإنسان في هذه الأرض.ذلك على أن تكون وجهتهم في هذا المتاع هي الآخرة ،فلا ينحرفون عن طريقها ،ولا يشغلون بالمتاع عن تكاليفها.والمتاع في هذه الحالة لون من ألوان الشكر للمنعم ،وتقبل لعطاياه ،وانتفاع بها.فهو طاعة من الطاعات يجزي عليها اللّه بالحسنى.
وهكذا يحقق هذا المنهج التعادل والتناسق في حياة الإنسان ،ويمكنه من الارتقاء الروحي الدائم من خلال حياته الطبيعية المتعادلة ،التي لا حرمان فيها ،ولا إهدار لمقومات الحياة الفطرية البسيطة.
«وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ» ..فهذا المال هبة من اللّه وإحسان.فليقابل بالإحسان فيه.إحسان التقبل وإحسان التصرف ،والإحسان به إلى الخلق ،وإحسان الشعور بالنعمة ،وإحسان الشكران.