ولا يمنع هذا من مصاحبة الوالدين بالمعروف مع اختلاف العقيدة ما لم يقفا في الصف المعادي للجبهة المسلمة،فعندئذ لا صلة ولا مصاحبة،وعبد الله بن عبد الله بن أبي يعطينا المثل في جلاء:روى ابن جرير بسنده قال ابن زيد،في قول الله ( لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنْهَا الأذَلَّ ) قال:كان المنافقون يسمون المهاجرين:الجلابيب؛ وقال:قال ابن أُبي:قد أمرتكم في هؤلاء الجلابيب أمري،قال:هذا بين أمَجٍ وعسفان على الكديد تنازعوا على الماء،وكان المهاجرون قد غلبوا على الماء؛ قال:وقال ابن أُبيّ أيضًا:أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعز منها الأذلَّ لقد قلت لكم:لا تنفقوا عليهم،لو تركتموهم ما وجدوا ما يأكلون،ويخرجوا ويهربوا؛ فأتى عمر بن الخطاب إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فقال:يا رسول الله ألا تسمع ما يقول ابن أُبيّ؟ قال:وما ذاك؟ فأخبره وقال:دعني أضرب عنقه يا رسول الله،قال:"إذًا تَرْعَدُ لَهُ آنُفٌ كَثِيرَةٌ بِيَثْرِبَ"قال عمر:فإن كرهت يا رسول الله أن يقتله رجل من المهاجرين،فمرّ به سعد بن معاذ،ومحمد بن مسلمة فيقتلانه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"إِني أَكْرَهُ أَنْ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ،ادْعُوا لِي عَبْدَ اللهِ بنَ عَبدِ اللهِ بن أُبَيّ"،فدعاه،فقال:"ألا تَرَى ما يَقُولُ أَبُوكَ؟"قال:وما يقول بأبي أنت وأمي؟ قال:"يَقُولُ لَئِن رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنْهَا الأذَلَّ"؛ فقال:فقد صدق والله يا رسول الله،أنت والله الأعزُّ وهو الأذلُّ،أما والله لقد قَدِمت المدينة يا رسول الله،وإن أهل يثرب ليعلمون ما بها أحد أبرّ مني،ولئن كان يرضى الله ورسوله أن آتيهما برأسه لآتِيَنَّهما به،فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:لا؛ فلما قدموا المدينة،قام عبد الله بن عبد الله بن أُبيّ على بابها بالسيف لأبيه؛ ثم قال:أنت القائل:لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزّ منها الأذلّ،أما والله لتعرفنّ العزة لك أو لرسول الله،والله لا يأويك ظله،ولا تأويه أبدًا إلا بإذن من الله ورسوله؛ فقال:يا للخزرج ابني يمنعني بيتي،يا للخزرج ابني يمنعني بيتي،فقال:والله لا تأويه أبدًا إلا بإذن منه؛ فاجتمع إليه رجال فكلموه،فقال:والله لا يدخله إلا بإذن من الله ورسوله،فأتوا النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فأخبروه،فقال:"اذْهَبُوا إلَيْهِ،فَقُولُوا لَهُ خَلِّهِ وَمَسْكَنَهُ"؛ فأتوه،فقال:أما إذا جاء أمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فنعم". [1] "
(1) - تفسير الطبري - مؤسسة الرسالة - (23 / 405) صحيح مرسل