جميل..ويقف الآخرون هازئين بوقفته،ساخرين من تصوراته،ضاحكين من قيمه..فما يهن المؤمن وهو ينظر من عل إلى الساخرين والهازئين والضاحكين،وهو يقول كما قال واحد من الرهط الكرام الذين سبقوه في موكب الإيمان العريق الوضيء،في الطريق اللاحب الطويل..نوح عليه السلام.. { إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ } ... [ هود:38 ]
وهو يرى نهاية الموكب الوضيء،ونهاية القافلة البائسة في قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ،وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ،وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ،وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ،وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ،فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ،عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ،هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } ..؟ [ المطففين:29 - 36 ]
وقديماً قص القرآن الكريم قول الكافرين للمؤمنين: { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً } .. [ مريم:73 ]
أي الفريقين ؟ الكبراء الذين لا يؤمنون بمحمد ؟ أم الفقراء الذين يلتفون حوله ؟ أي الفريقين ؟ النضر بن الحارث،وعمرو بن هشام،والوليد بن المغيرة،وأبو سفيان بن حرب ؟ أم بلال وعمار وصهيب وخباب ؟ أفلو كان ما يدعو إليه محمد خيراً أفكان أتباعه يكونون هم هؤلاء النفر،الذين لا سلطان لهم في قريش ولا خطر،وهم يجتمعون في بيت متواضع كدار الأرقم،ويكون معارضوه هم أولئك أصحاب الندوة الفخمة الضخمة،والمجد والجاه والسلطان ؟!
إنه منطق الأرض،منطق المحجوبين عن الآفاق العليا في كل زمان ومكان.وإنها لحكمة الله أن تقف العقيدة مجردة من الزينة والطلاء عاطلة من عوامل الإغراء،لا قربى من حاكم،ولا اعتزاز بسلطان،ولا هتاف بلذة،ولا دغدغة لغريزة.وإنما هو الجهد والمشقة والجهاد والاستشهاد..ليقبل عليها من يقبل،وهو على يقين من نفسه أنه يريدها لذاتها خالصة لله من دون الناس،ومن دون ما تواضعوا عليه من قيم ومغريات،ولينصرف عنها من يبتغي