فعدتها عدة الحامل - وهي أطول قليلا من عدة المطلقة.تستبرئ فيها رحمها،ولا تجرح أهل الزوج في عواطفهم بخروجها لتوها.وفي أثناء هذه العدة تلبس ثيابا محتشمة ولا تتزين للخطاب.فأما بعد هذه العدة فلا سبيل لأحد عليها.سواء من أهلها أو من أهل الزوج.ولها مطلق حريتها فيما تتخذه لنفسها من سلوك شريف في حدود المعروف من سنة اللّه وشريعته،فلها أن تأخذ زينتها المباحة للمسلمات،ولها أن تتلقى خطبة الخطاب،ولها أن تزوج نفسها ممن ترتضي.لا تقف في سبيلها عادة بالية،ولا كبرياء زائفة.وليس عليها من رقيب إلا اللّه: «وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ» ..هذا شأن المرأة..
ثم يلتفت السياق إلى الرجال الراغبين فيها في فترة العدة فيوجههم توجيها قائما على أدب النفس،وأدب الاجتماع،ورعاية المشاعر والعواطف،مع رعاية الحاجات والمصالح: «وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ» ..
إن المرأة في عدتها ما تزال معلقة بذكرى لم تمت،وبمشاعر أسرة الميت،ومرتبطة كذلك بما قد يكون في رحمها من حمل لم يتبين،أو حمل تبين والعدة معلقة بوضعه..وكل هذه الاعتبارات تمنع الحديث عن حياة زوجية جديدة.لأن هذا الحديث لم يحن موعده،ولأنه يجرح مشاعر،ويخدش ذكريات.
ومع رعاية هذه الاعتبارات فقد أبيح التعريض - لا التصريح - بخطبة النساء.أبيحت الإشارة البعيدة التي تلمح منها المرأة أن هذا الرجل يريدها زوجة بعد انقضاء عدتها.
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ:يَقُولُ:إنِّي فِيك لرَاغِبٌ وَإِنِّي أُرِيدُ امْرَأَةً أَمْرُهَا كَذَا وَكَذَا وَيُعَرِّضُ لَهَا بِالْقَوْلِ. [1]
كذلك أبيحت الرغبة المكنونة التي لا يصرح بها لا تصريحا ولا تلميحا.لأن اللّه يعلم أن هذه الرغبة لا سلطان لإرادة البشر عليها: «عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ» ..
وقد أباحها اللّه لأنها تتعلق بميل فطري،حلال في أصله،مباح في ذاته،والملابسات وحدها هي التي تدعو إلى تأجيل اتخاذ الخطوة العملية فيه.والإسلام يلحظ ألا يحطم الميول الفطرية
(1) - مصنف ابن أبي شيبة - (4 / 257) (17104) صحيح