الحق..فهو أعمى بشهادة اللّه سبحانه..ولن يرد شهادة اللّه مسلم..ثم يزعم بعد ذلك أنه مسلم!!! إنه لا بد لنا أن نأخذ هذا الدين مأخذ الجد وأن نأخذ تقريراته هذه مأخذ الجزم..وكل تميع في مثل هذه القضية هو تميع في العقيدة ذاتها إن لم يكن هو رد شهادة اللّه - سبحانه - وهو الكفر البواح في هذه الصورة! وأعجب العجب أن ناسا من الناس اليوم يزعمون أنهم مسلمون ثم يأخذون في منهج الحياة البشرية عن فلان وفلان من الذين يقول عنهم اللّه سبحانه:إنهم عمي.ثم يظلون يزعمون بعد ذلك أنهم مسلمون!
إن هذا الدين جد لا يحتمل الهزل،وجزم لا يحتمل التميع،وحق في كل نص فيه وفي كل كلمة..فمن لم يجد في نفسه هذا الجد وهذا الجزم وهذه الثقة فما أغنى هذا الدين عنه.واللّه غني عن العالمين !
وما يجوز أن يثقل الواقع الجاهلي على حس مسلم،حتى يتلقى من الجاهلية في منهج حياته وهو يعلم أن ما جاءه به محمد - صلى الله عليه وسلم - هو الحق وأن الذي لا يعلم أن هذا هو الحق «أعمى» .ثم يتبع هذا الأعمى،ويتلقى عنه،بعد شهادة اللّه سبحانه وتعالى..
وأخيرا نقف أمام المعلم الأخير من المعالم التي تقيمها هذه السورة لهذا الدين..
إن هناك علاقة وثيقة بين الفساد الذي يصيب حياة البشر في هذه الأرض وبين ذلك العمى عن الحق الذي جاء من عند اللّه لهداية البشر إلى الحق والصلاح والخير.فالذين لا يستجيبون لعهد اللّه على الفطرة،ولا يستجيبون للحق الذي جاء من عنده ويعلمون أنه وحده الحق..هم الذين يفسدون في الأرض كما أن الذين يعلمون أنه الحق ويستجيبون له هم الذين يصلحون في الأرض،وتزكو بهم الحياة [1]
فالعلم الحق هو المعرفة.هو إدراك الحق.هو تفتح البصيرة.هو الاتصال بالحقائق الثابتة في هذا الوجود.
وليس العلم هو المعلومات المفردة المنقطعة التي تزحم الذهن،ولا تؤدي إلى حقائق الكون الكبرى،ولا تمتد وراء الظاهر المحسوس.
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (4 / 2074)