فهرس الكتاب
الصفحة 125 من 240

ذاته لا مبالغة فيه ولا زيادة ولا تحريف.فالعمى وحده هو الذي ينشئ الجهل بهذه الحقيقة الكبرى الواضحة التي لا تخفى إلا على أعمى.

والناس إزاء هذه الحقيقة الكبيرة صنفان:مبصرون فهم يعلمون،وعمي فهم لا يعلمون! والعمى عمى البصيرة،وانطماس المدارك،واستغلاق القلوب،وانطفاء قبس المعرفة في الأرواح،وانفصالها عن مصدر الإشعاع.. «إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ» ..الذين لهم عقول وقلوب مدركة تذكر بالحقّ فتتذكر،وتنبه إلى دلائله فتتفكر. [1]

إن الذين لا يستجيبون لهذا الحق هم - بشهادة اللّه سبحانه - عمي.وأنهم لا يتفكرون ولا يعقلون.وأن الذين يستجيبون له هم أولو الألباب،وهؤلاء تطمئن قلوبهم بذكر اللّه،وتتصل بما هي عارفة له ومصطلحة عليه بفطرتها العميقة،فتسكن وتستريح.

وإن الإنسان ليجد مصداق قول اللّه هذا في كل من يلقاه من الناس معرضا عن هذا الحق الذي تضمنه دين اللّه،والذي جاء به في صورته الكاملة محمد رسول اللّه..فإن هي إلا جبلات مؤوفة مطموسة.وإن هي إلا كينونات معطلة في أهم جوانبها بحيث لا تتلقى إيقاعات هذا الوجود كله من حولها،وهو يسبح بحمد ربه وينطق بوحدانيته وقدرته وتدبيره وتقديره.

وإذا كان الذين لا يؤمنون بهذا الحق عميا - بشهادة اللّه سبحانه - فإنه لا ينبغي لمسلم يزعم أنه يؤمن برسول اللّه،ويؤمن بأن هذا القرآن وحي من عند اللّه..لا ينبغي لمسلم يزعم هذا الزعم أن يتلقى في شأن من شؤون الحياة عن أعمى! وبخاصة إذا كان هذا الشأن متعلقا بالنظام الذي يحكم حياة الإنسان أو بالقيم والموازين التي تقوم عليها حياته أو بالعادات والسلوك والتقاليد والآداب التي تسود مجتمعه..

وهذا هو موقفنا من نتاج الفكر - غير الإسلامي - بجملته - فيما عدا العلوم المادية البحتة وتطبيقاتها العملية مما قصده رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «أنتم أعلم بشؤون دنياكم» .فإنه ما ينبغي قط لمسلم يعرف هدى اللّه ويعرف هذا الحق الذي جاء به رسول اللّه،أن يقعد مقعد التلميذ الذي يتلقى من أي إنسان لم يستجب لهذا الهدى ولم يعلم أنه

(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (4 / 2056)

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام