العامة وساروا في فلكهم كما تسير تلك الكواكب والنجوم في أفلاكها،لا تحاول أن تخرج عنها،ولا أن تسرع أو تبطئ في دورتها المتناسقة مع حركة الوجود كله.
وعندئذ رضيت نفوسهم بكل ما يأتي به قدر اللّه،لشعورهم الباطن الواصل بأن قدر اللّه هو الذي يصرف كل شي ء،وكل أحد،وكل حادث،وكل حالة.واستقبلوا قدر اللّه فيهم بالمعرفة المدركة المريحة الواثقة المطمئنة.
وشيئا فشيئا لم يعودوا يحسون بالمفاجأة لقدر اللّه حين يصيبهم،ولا بالجزع الذي يعالج بالتجمل أو بالألم الذي يعالج بالصبر.إنما عادوا يستقبلون قدر اللّه استقبال العارف المنتظر المرتقب لأمر مألوف في حسه،معروف في ضميره،ولا يثير مفاجأة ولا رجفة ولا غرابة! ومن ثم لم يعودوا يستعجلون دورة الفلك ليقضوا أمرا هم يريدون قضاءه،ولم يعودوا يستبطئون الأحداث لأن لهم أربا يستعجلون تحقيقه،ولو كان هذا الأرب هو نصر دعوتهم وتمكينها! إنما ساروا في طريقهم مع قدر اللّه،ينتهي بهم إلى حيث ينتهي،وهم راضون مستروحون،يبذلون ما يملكون من أرواح وجهود وأموال في غير عجلة ولا ضيق،وفي غير من ولا غرور،وفي غير حسرة ولا أسف.وهم على يقين أنهم يفعلون ما قدر اللّه لهم أن يفعلوه وأن ما يريده اللّه هو الذي يكون،وأن كل أمر مرهون بوقته وأجله المرسوم.
إنه الاستسلام المطلق ليد اللّه تقود خطاهم،وتصرف حركاتهم وهم مطمئنون لليد التي تقودهم،شاعرون معها بالأمن والثقة واليقين،سائرون معها في بساطة ويسر ولين.
وهم - مع هذا - يعملون ما يقدرون عليه،ويبذلون ما يملكون كله،ولا يضيعون وقتا ولا جهدا،ولا يتركون حيلة ولا وسيلة.ثم لا يتكلفون ما لا يطيقون،ولا يحاولون الخروج عن بشريتهم وما فيها من خصائص،ومن ضعف وقوة ولا يدعون ما لا يجدونه في أنفسهم من مشاعر وطاقات،ولا يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا،ولا أن بقولوا غير ما يفعلون.
وهذا التوازن بين الاستسلام المطلق لقدر اللّه،والعمل الجاهد بكل ما في الطاقة،والوقوف المطمئن عند ما يستطيعون..هذا التوازن هو السمة التي طبعت حياة تلك المجموعة الأولى وميزتها وهي التي أهلتها لحمل أمانة هذه العقيدة الضخمة التي تنوء بها الجبال! واستقرار ذلك المقوم الأول في أعماق الضمائر هو الذي كفل لتلك الجماعة الأولى تحقيق تلك