عليه وسلم فقال لهم: أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر وأصلي وأنام وآكل اللحم وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني" (روا ه البخاري ومسلم) ."
والانقطاع عن الزواج يسمى (( التبتل ) )ومنه قولهم (( مريم البتول ) )، وجاء في الحديث عن سعد بن أبي وقاص قال: أراد عثمان بن مضعون التبتل فنهاه رسول الله عن ذلك، ولو أجاز له ذلك لاختصينا. (رواه مسلم) .
ولقد آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء فجاءه سلمان يزوره فإذا أم الدرداء متبذلة فقال: ما شأنك يا أم الدرداء؟ قالت: إن أخاك أبا الدرداء يقوم الليل ويصوم النهار وليس له في شيء من الدنيا حاجة فجاء أبو الدرداء فرحب به وقرب إليه طعاما فقال له سلمان: أطعم قال إني صائم، قال أقسمت عليك لتفطرن ما أنا بآكل حتى تأكل، فأكل معه ثم بات عنده، فلما كان الليل أراد أبو الدرداء يقوم يصلي فمنعه سلمان وقال: يا أبا الدرداء إن لجسدك عليك حقاً وإن لأهلك عليك حقاً صم وافطر، وصل وأت أهلك وأعط كل ذي حق حقه، فلما كان في وجه الصبح قال: قم الآن إن شئت وصل، فقام فتوضأ ثم ركعا ثم خرجا إلى الصلاة فدنا أبو الدرداء ليخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي أمره سلمان فقال له رسول الله: يا أبا الدرداء إن لجسدك عليك حقا مثل ما قال سلمان وفي رواية صدق سلمان.
وأما إذا كان المقصد من ترك النكاح هو الحرية وعدم التقيد والمسئولية وملاحقة النساء والغزل ونحوه فهذا شر مقصد وإنه والله مما يؤسف له أشد الأسف وإنه لضياع وسيسأل الله هؤلاء الشباب عن شبابهم وأموالهم وأوقاتهم التي ذهبت في الحرام هدرا، يقول أحدهم: إذا أردت أن تبيع حريتك تزوج، وهذا الكلام مردود على صاحبه ومثله قول بعضهم: (الزواج حقل أشواك) وقول آخرين: (الزواج مقبرة الحب) .
وأما إن كان العائق هو إكمال الدراسة فهذا في الحقيقة من تسويل الشيطان وإلا فالدراسة ليست عائقا أبدا بل على العكس، الزواج عامل أساسي في النشاط والحيوية ونضج القلب والعقل والاتزان الشخصي والملكة والحزم والحكمة والفهم والإدراك والعلم، وكثر ممن جعلوا هذا عائقا أخذوه عن بعضهم وتناقلوه ولم يأخذوه عن متزوج، مجرب والتجربة أكبر برهان ومن كان لديه عقل متزن لا ينصح أحدا بعدم الزواج بحجة إكمال الدراسة.
ومما يؤسف له أيضا: أن يكون المانع من الزواج عند بعض الشباب هو التلذذ بحياة العزوبة وهنائها كما يزعمون، ويتعللون فهم مخطئون في ذلك شاذون عن طريق الحق تائهون عن جادة الصواب لأنهم خالفوا سنة المرسلين، ومن احتج من طلاب العلم بأن ابن تيمية لم يتزوج (إن صح ذلك) فنقول لهم: إن ابن تيمية بشر يخطئ ويصيب (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) ). وكان ابن تيمية كما يذكر عنه أنه يقول: ليس لدي وقت لأتزوج، لأنه منشغل بالرد على أهل الكلام والبدع، فيا ليت من يجعلون ابن تيمية قدوتهم أن يقتدوا به في طلبه العلم واحتراقه ليظهر الضوء في الأفق وينير الطريق.