وأخيراً يقال: إن النكاح مع الشهوة أفضل من نوافل العبادات كما ذكر الفقهاء رحمهم الله سابقاً.
من حكمة الله تعالى ودقته في شرعه أن جعل للعقود شروطا تنضبط بها وتتحدد فيها صلاحيتها للنفوذ والاستمرار وعدم الفوضى، ومن تلك العقود عقد النكاح فله شروط ينبغي معرفتها ومنها:
الأول: وهو أهمها رضا الزوجين فلا يجوز إجبار الزوج على نكاح امرأة لا يريدها وكذلك لا يجوز إجبار الزوجة على ذلك قال تعالى: {أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً} (سورة النساء 19) وقال عليه الصلاة والسلام:"لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت" (رواه البخاري ومسلم والترمذي وقال حسن صحيح، وابن ماجه والنسائي وأبو داوود وأحمد والدارمي)
فيحرم تزويج المرأة دون رضاها سواء أكانت بكرا أو ثيبا وجاء في رواية أخرى عند مسلم (والبكر يستأذنها أبوها) .
وكم نسمع من القصص المؤلمة والنتائج القاسية فيمن أجبر على نكاح من لا يريدها وامرأة أجبرت على نكاح من لا تريده وقد يكون ذلك مجاراة للعادات السيئة التي لا تمت إلى الإسلام بصلة فيجبرون الزوجة على الزواج من ابن عمها أو الولد على زواج ابنة عمه، وإنه خطأ كبير وقد يحصل من جرائه نكد وهم ومشاكل وطلاق وأولاد ضحية. وعن خنساء بنت جذام: أن أباها زوجها بدون إذنها- وهي ثيب- فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها (رواه ابن ماجة) .
وكم أغفل الآباء الأمر النبوي في وجوب استئذان الفتاة قبل الزواج فإن له نتائج سيئة وعواقب مدمرة. والأمثلة على ذلك كثيرة لا تخفى على أحد. ونذكر على سبيل الطرافة والعبرة قصة هند لما تزوجت الحجاج بن يوسف الثقفي أحد ولاة الخليفة عبد الملك بن مروان، فوقفت يوماً تتأمل حسنها أمام المرآة وأنشدت تقول:
وما هند إلا مهرة عربية ... سليلة أفراس تحللها بغل!
فإن ولدت مهراً فلله درها ... وإن ولدت بغلاً فجاء به بغل
وكان الحجاج عندئذ آتياً من وراء حجاب، وصك أذنيه، ما سمعه من هند، فقال غاضباً:
(( يا هنداً لقد كنت فبنت! ) )، وطلقها
وسرعان ما أجابته: (( لقد كنا فما فرحنا، وبنا فما ندمنا! ) )
يقول ابن مفلح المقدسي رحمه الله: قال الشيخ تقي الدين: إنه ليس لأحد الأبوين أن يلزم الولد بنكاح من لا يريد، وأنه