كما أن تطير أهل الجاهلية يكون -أحيانًا- قبل إقدامهم على الشيء، فمن قال بالتخصيص أو الاستثناء المتصل لزمه إباحة هذا التطير في هذه الأشياء وهذا فيه بعد لا يخفى.
-وأما القول الأول من المسلك الثاني: وهو أن حديث"الشؤم في ثلاث"سيق لبيان اعتقاد الناس في ذلك: فإنه تأويل ضعيف لا تدل عليه الأحاديث الصحيحة ولا تُجوِّزه مقاصد الشريعة.
ولذلك قال ابن حجر بعد ذكره لهذا القول:"وسياق الأحاديث الصحيحة المتقدم ذكرها يبعد هذا التأويل" (12) .
وقال ابن العربي:"هذا جواب ساقط لأنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يبعث ليخبر عن الناس بِما كانوا يعتقدونه وإنما بعث ليعلم الناس ما يلزمهم أن يعلموه ويعتقدوه" (13) .
-وأما القول الثاني: وهو أن حديث"الشؤم في ثلاث"إخبار منه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الأسباب المثيرة للطيرة لنأخذ الحذر منها: فإنه تأويل بعيد لأنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبر أن الشؤم واقع فيها لا أَنَّها مسببة للشؤم ومثيرة له.
-وكذلك القول الثالث: فإنه بعيد جدًّا عن مدلول الحديث وتأويل ظاهر التكلف.
-وأما القول الرابع: وهو أن شؤم هذه الأشياء إنما يلحق من تشاءم بِها: فليس بمسلَّم لأن شؤمها قد يلحق -أيضًا- من لم يتشاءم بِها كما في حديث الرجل الذي شكا إلى الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قلَّة المال والعدد بعد تحوله إلى دار
(12) فتح الباري (1/ 61) .
(13) عارضة الأحوذي (10/ 264)