أما تخفيكم خلف آيات الكتاب فمكشوف، فما كل من قرأ آية في باب كانت له حجة، فإن نابليون لما دخل مصر أتى بالبيانات (( الفرامانات ) )التي حشدها بالآيات على وجه خير مما تفعلون، ثم ها هم زعماء الكفر يقرؤون آيات القرآن التي تحقق مبتغاهم في هوان أمة محمد صلى الله عليه وسلم وجبنها وضياعها، فإن كانت آيات القرآن على هذا الوجه الذي يريدونه فما الدين حينئذ إلا باطل في باطل، ونبذ الدين هذا الذي يقرأ على المسلمين اليوم منا هنا وهناك خير لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، لأن هذا الدين افساد للدنيا والآخرة، وعدم الدين الباطل مع عقل جاهلي ضياع للآخرة مع معيشة لا تقبل الهوان، وحينئذ تكون قصيدة لعنترة بن شداد أو معلقة عمرو بن كلثوم أصلح في تحقيق العزة ورد الظلم والهوان من مواعظكم الباطلة الكاذبة، حتى وهي تتخفى خلف آيات القرآن الكريم.
لقد أخذ الكفار منّا ما يشتهون، وفوق ما يشتهون، ثم دعونا إلى بذل شيء مما أخذوه مما لا يقدرون عليه من الغنائم فسميتموه سلماً جنحوا إليه، فأوجبتم على الأمة أن تجنح إليه، وهذا تطبيق لمثل مشتهر في بلادهم لرجل غرس خنجراً في ظهر آخر عشرة"انشات"ثم فاوشه أن يسحب منه انشين، وسمى هذا احساناً وصدقة، ثم بعد أن حكموا شرائعهم في بلادنا، ونصبوا أزلامهم فوق رؤوسنا، وملكوا ما فوق الأرض وتحتها أصالة ووكالة، دعونا أن نحتكم إلى مسلم رسموه على فوق قوانينهم في مجلس الظلم الذي سموه مجلس الأمن، وأقاموا من الشرائع والمحاكم التي تحفظ للكفر سطوته وقوته، وأنتم من جهالاتكم سميتم هذا الظلم أمناً، وهذا الشرع سلماً وعدلاً، بل سميتم وكلاءهم ولاة أمر يقضون في حقوق وحقوق الأمة، فهل هذا هو فقه القرآن الذي أمر الله فيه بالعدل والاحسان؟
وهل هذا فقه القرآن الذي أوجب على المسلمين العزة وعلو الإيمان والغلبة في الأرض؟
هما آيتان في القرآن في باب السلم؛ الآية التي قلتموها وهي قوله تعالى (( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله ) )وآية سورة القتال (( فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم والله معكم ولن يتركم أعمالكم ) )فآية تأمرنا بعدم الدعوة إلى السلم، وآية تأمرنا أن نقبل منهم دعوتهم إن دعونا إليه، فهذا دليل أن السلم ليس خيارنا، بل هو خيارهم وهم في أرضهم وبلادهم غير سارقين ولا محتلين لبلادنا أو بلاد غيرنا، وكل هذا اليوم لا وجود له، بل هم من أقام دولة يهود، وهم من أمدها حتى قامت، ويمدها حتى تدوم بمال والسلاح، وهم من نصب الطواغيت في بلادنا، وهم من غزا وما زال يغزو بلاد المسلمين كلما سنحت له الفرصة بعدم قيام وكلائه بواجبهم الذي نصب لهم، ثم تأتون أنتم وتكذبون على الله وعلى كتابه، وتزورون الواقع وتتولون: انهم دعونا إلى السلم فوجب القبول.
فها هم من أخرجوا المسلمين، فنازح ولاجئ ومهاجر.
وها هم ظاهروا على اخراج المسلمين.
وها هم يحاربون أشد الحرب لكل أرض يريد أهلها حكم الدين.