تقاطع في عصر الجويني مجموعة من العوامل السياسية والدينية، ساهمت في إثراء الحركة الثقافية بمادة البحث أولا، وفي توجيهها نحومسارات محددة ثانيا، ومن هذه العوامل: الصراع السياسي بين أهل السنة الممثلين سياسيا بالخلافة العباسية وحماتها من غزنويين وسلاجقة، وبين المذاهب الشيعية الممثلة سياسيا بالخلافة الفاطمية في مصر وحلفائها البويهيين. والعامل الثاني: انتعاش حركة الاعتزال في ظل الحماية التي قدمها البويهيون لرجالاتها. أما العامل الثالث: فيتمثل بالخلافات الحادة بين المذاهب الفقهية والكلامية السنية.
ومما ميز الحركة الثقافية النشطة في ذلك العصر، سعي الفرق والمذاهب الإسلامية، إلى تدعيم مواقفها الأصولية أوالفروعية، من خلال الكتابة في المسائل الفقهية والكلامية على نحويسوغ استقلاليتها من جهة، ويحافظ على استمراريتها من جهة أخرى.
لكن هذه الكتابات في الأصول أوالفروع، بقيت أسيرة للقواعد والمعايير التي رسخت من قبل أئمة الفرق والمذاهب في العصور السابقة، بحيث لم يبق لعلماء هذا العصر سوى رتق الثغرات التي قد تظهر في خطابهم الديني أمام الخصوم، مع تشديد في هذا الخطاب على منهج إلغائي للآخر، أما الإذعان للحق بنقد الذات، ورؤية الآخر بعين منصفة فهذا يصعب أويحال رصده في الحركة الثقافية لهذا العصر، ذلك أن الاعتراف بخطأ في بعض مسائل المذهب أوضعفها أمام الخصوم، هواعتراف بخطأ تاريخي يصعب تحمله.