ميمون القداح من اليهود 1.
إلا أن الخطوة الأهم في مقاومة الامتداد الشيعي بمذاهبه المختلفة في مناطق الخلافة العباسية، تمثلت في بناء نظام الملك للمدارس النظامية، إذ وعى هذا الوزير أن الجهود العسكرية وحدها لن تفلح في الحد من التمدد الشيعي، إن لم يواكبها حركة فكرية تعمل على نشر العقيدة السنية، وتحصينها في مواجهة خصومها، فعمل على بناء النظاميات في كل من بلخ ونيسابور والموصل وبغداد ليتخرج منها العلماء والدعاة، واستطاعت هذه المدارس أن تؤدي دورا فاعلا في انحسار الامتداد الشيعي والاعتزالي على حد سواء.
لم يقتصر الصراع الديني في هذا العصر على المحاور الثلاثة السابقة، وإنما كانت له مشاهده المؤلمة بين المذاهب السنية نفسها، وعلى الأخص ما بين الحنابلة من جهة، والأشاعرة والشافعية من جهة أخرى.
فالنشاط الفقهي في هذا العصر بقي أسيرا للقواعد الفقهية التي أرساها الأئمة الأربعة وأتباعهم في العصور السابقة، لذا فشت روح التقليد بين المذاهب 2، وتعمق التعصب للمذهب المتبع، وكثر النيل من المذاهب الأخرى، مما أدى إلى وقوع الأحداث الأليمة بين أتباع المذاهب الفقهية المختلفة، وكان أكثرها إيلاما تلك المصادمات العنيفة التي كانت تحدث من حين لآخر بين الشافعية والحنابلة.
ففي عام 447 ه/ 1055 م قام الحنابلة في بغداد عامتهم وخاصتهم بمهاجمة الشافعية في الجامع المخصص لهم، وأنكروا عليهم الجهر بالبسملة، والترجيع في الأذان، والقنوت في صلاة الفجر، وبقي الشافعية فترة لا يستطيعون حضور الجمعة ولا الجماعات 3••
1)ابن الجوزي، المنتظم ج 7 ص 255، ج 8 ص 154، 155، وابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 9 ص 236 وج 9 ص 591.
2)محمد الخضري، تاريخ التشريع الإسلامي ص 323.
3)ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 9 ص 614، وابن كثير، البداية والنهاية ج 12 ص 16.