طائفة مشتغلون بالنظم والنثر على لغة العرب، فقصرت قدر الخلق عن المعارضة في أربعمائة وستين سنة ونيف 1. فتبين قطعا [أن الخلق] ممنوعون عن مثل ما هومن مقدورهم، وذلك أبلغ عندنا من خرق العوائد بالأفعال البديعة في أنفسها 2.
ومن هدي لهذا المسلك فقد رشد إلى الحق المبين، وانعكس كل مطعن ذكره الطاعنون عضدا وتأييدا، فإنهم تارة: يدعون سقوط القرآن عن رتبة الجزالة، وولوجه في الركيك، وتارة: يسلمون شرف الجزالة، ويدعون أنه غير خارق للعادة، فكيف تصرفت أسئلتهم، فصرف الله الخلق عن الإتيان بمثله أوقع وأنجع. إذ الكلام كل ما كان أقرب مأخذا، وأبعد عن الغاية القصوى، كان أحرى أن يبتدر إلى معارضته، فإذا لم تجر المعارضة، لم يبق لامتناعها مع توفر الدواعي عليها محمل، إلا صرف الله الخلق.
وستين سنة ونيف، ليست في ط.
الزيادة من ط. في أ: ممنعون، والمثبت من ط.
في ط: مقدوراتهم. في ط: أرشد.
في أ: والوجه، والمثبت من ط. في ط: جزالته.
في ط: وكيف. في أ: أسولتهم، وما أثبته من ط.
في ط: أنجع وأوقع.
1)قد يكون ذلك هوتاريخ تأليف الجويني للعقيدة النظامية.
2)إن دعوى حصر الإعجاز بصرف الله تعالى العباد عن الإتيان بمثل القرآن مع كونه مقدورا لهم لم تكن سبقا من الجويني، وإنما سبقه إلى ذلك كثيرون أشار إليهم الباقلاني في التمهيد ص 129، وأثنى على ذلك بقوله: «ومنهم أيضا من يقول: قد كانت العرب قادرة قبل التحدي على الإتيان بمثله، وإنما أعجزهم الله سبحانه عن ذلك وثبت تحدي الرسول صلى الله عليه وسلم ونقض عادتهم ليدل على صدقه، ولعمري إن ذلك لوكان كذلك لكان آية عظيمة وخرقا للعادة» . وقد صرح النظام من المعتزلة بذلك إذ قال: «الآية والأعجوبة في القرآن ما فيه من الإخبار عن الغيوب، فأما التأليف والنظم فقد كان يجوز أن يقدر عليه العباد لولا أن الله منعهم بمنع وعجز أحدثهما فيهم» .
مقالات الإسلاميين ص 225، والملل والنحل للشهرستاني ص 56، 57، 103.