والدليل القاطع في تحقيق ما ارتضاه أهل الحق: أن الوجوب إنما يتحقق في حق من لوفرض منه ترك الواجب لاستحق الذم واللائمة، ولوليم أوعوقب لناله ضرر، والرب تبارك وتعالى يتقدس عن قبول الضر والنفع، ولا يتحقق تفاوت الأفعال في حكمه كما سبق 1.
ومما يقطع مادة كلامهم، أن العبادات التي يقيمها العبد لا تفي بالنعم التي تتوفر عليه من ربه ناجزة، وهي تقع شكرا لأنعم الله تبارك وتعالى، بل لا تفي بأقلها. فإذا وقعت شكرا عوضا عما تعجل من نعم الله، فكيف يستمر في حكم العقل استحقاق الثواب على أعمال وقعت عوضا عن نعيم يوفاه العبد 2!
ثم قالوا: ليس على أهل الجنان شكر لنعيمها، فإنه عوض أعمال العبد، وليس للمعوض عوض.
في أ: من، والمثبت من ط. في ط: وإن.
تبارك وتعالى: ليست في ط.
في ط: الضرر. في ط: فلا.
في ط: وما يقطع بتأكده عند الفهم.
في ط: يقيسها. في ط: تنوب.
في: ناجزا. في ط: استوفاه.
في ط: لأعمال.
= من الله تعالى لم يوجبه سبب متقدم من كفر ومعصية، بل كان كفر الكافر بخذلانه وحرمانه وإضلاله، وإنه لوعفا عن الكفار جميعا وأدخلهم الجنة كان ذلك لائقا برحمته غير منكر في حكمته، ولكنا إنما قطعنا بعذابهم على طريق التأبيد للخبر المجمع على عمومه. انظر مجرد مقالات الأشعري لابن فورك ص 163.
1)كرر الجويني هنا ما ذكره في الإرشاد ص 271، 272.
2)يدلل الجويني هنا على صحة ما قررته الأشاعرة من أن الإيمان والكفر أمارتان للثواب والعقاب المتعلقين على الأكساب، خيرها وشرها وإيمانها وكفرها مما تعلق بها خيرا لا عقلا.
وإجمالا ذهب أهل السنة إلى ذلك، وقرروا أن الأعمال أعلام الثواب والعقاب، وينسب هذا القول إلى الشافعي وتمسك به الأشعري والخطابي والبيهقي. انظر مجرد المقالات لابن فورك ص 99، ومعالم السنن للخطابي ج 4 ص 94، وإثبات القدر للبيهقي ص 495، وانظر تفصيل ذلك في الإرشاد للجويني ص 381، وانظر رد المعتزلة على ذلك في شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار ص 638 - 642.