وقد خرج الخليفة العباسي القادر بالله من عجزه هذا، بفعل ضغط الرأي العام السني عليه، وعلى نحوأخص من الفقهاء والمحدثين الحنابلة، فتوعد المعتزلة بالعقاب الشديد إن استمروا في الدعوة إلى مذهبهم 1. لكن أركان الاعتزال لم يلتفتوا إلى هذا الوعيد، واستخفوا به لمعرفتهم بحالة الضعف التي آل إليها هذا الخليفة، ولا طمئنانهم إلى القوة التي يمثلها حماتهم من بني بويه 2.
غير أن الخليفة قد خطا خطوة أخرى تصعيدية في وجه المعتزلة، إذ أصدر وبتحريض قوي من الفقهاء والمتكلمين السنة كتابا سمي بالاعتقاد القادري 3، نسبة إلى القادر بالله، أكد فيه أصول أهل السنة الاعتقادية، وحدد فيه أيضا القضايا التي خالفت بها المعتزلة والشيعة هذه الأصول، كقضية خلق القرآن، والصفات الإلهية، والترضي عن الصحابة 4، وأعلن في هذا الكتاب «أن من يدعي أن القرآن مخلوق على حال من الأحوال، فهوكافر حلال الدم بعد الاستتابة منه» 5.
وقد ساند الفقهاء السنة الخليفة العباسي في خطوته هذه، فمهروا الاعتقاد القادري بتوقيعاتهم، وأجمعوا على أن ما ورد فيه هومعتقد أهل السنة، وأن من خالفه فقد كفر وفسق، ثم أخذوا يقرؤونه من على المنابر في بغداد، وسائر الحواضر الإسلامية 6.
لكن الضربة القاسية التي قسمت ظهر المعتزلة في ذلك الوقت، كانت على يد السلطان محمود الغزنوي، إذ سارع هذا السلطان عند ما انتزع مدينة الري من البهويهيين عام 420 ه/ 1029 م، إلى البطش بهم، ونفاهم إلى خراسان، وأمر بحرق كتبهم ومكتباتهم 7، فأحرقت مكتبة الصاحب بن عباد،
1)ابن الجوزي، المنتظم ج 7 ص 287، وآدم متز، الحضارة الإسلامية ج 1 ص 381.
2)زهدي جار الله، المعتزلة ص 221، 222.
3)ابن الجوزي، المنتظم ج 8 ص 109.
4)ابن الجوزي، المنتظم ج 8 ص 109.
5)المصدر نفسه ج 8 ص 110.
6)المصدر نفسه ج 8 ص 110.
7)ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 9 ص 372.