فهرس الكتاب
الصفحة 21 من 275

ومن المفارقات في هذا العصر، ذلك التحالف غير المعلن الذي حصل بين المعتزلة والشيعة الاثني عشرية، بتشجيع ومباركة من سلاطين بني بويه المتشيعين، ويمكن أن يفسر هذا التحالف حاجة كل من هذه الأطراف إلى بعضها البعض، فالمعتزلة في ظل ملاحقة المؤسسة السنية الرسمية، والمتمثلة بالخلافة العباسية، كانوا بأمس الحاجة إلى من يحميهم ويوفر لهم المناخ المناسب لتوسيع دائرة نشاطهم، فوجدوا في بني بويه وما يمثلون من شوكة، الجهة الأنسب لتحقيق هذا الهدف 1.

أما شيعة ذلك العصر، وإن كانوا يرون في المعتزلة خصما عنيدا لمقولاتهم السياسية 2، إلا أن كثيرا من المسائل الاعتقادية عندهم كالعدل والتوحيد واللطف، قد تشكلت بتأثير قوي من المعتزلة 3. لذا غضت الشيعة النظر عن نقاط الاختلاف مع المعتزلة، ورأت فيهم سندا قويا في مواجهاتهم الكلامية مع الفرق السنية.

أما البويهيون، فكانوا يجدون في الشيعة والحركة الاعتزالية عصا غليظة يلوحون بها في وجه الخليفة العباسي إذا ما حاول تأليب الرأي العام السني ضدهم.

استفادت المعتزلة من هذا التعاون، فنشط رجالاتها في نشر الاعتزال والدفاع عنه أمام الخصوم، واتخذوا من مدينة الري مركزا لأنشطتهم، والدعوة إلى مذهبهم 4.

ولم يكن الخليفة العباسي أمام ما يمثله هذا التحالف من قوة، قادرا على مواجهة المعتزلة، واكتفى بالدور الذي تؤديه الفرق الكلامية السنية كالأشاعرة والماتريدية وجمهور الحنابلة في الرد على مقولات المعتزلة الاعتقادية.

1)انظر: ياقوت الحموي، معجم الأدباء ج 6 ص 190.

2)قارن: الشريف المرتضى، الشافي في الإمامة ص 70، 167، والقاضي عبد الجبار، المغني في التوحيد والعدل ج 20 ق 1 ص 57، 100.

3)زهدي جار الله، المعتزلة ص 215،216.

4)المصدر نفسه، المعتزلة ص 218.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام