إلا أن أهم انعكاس للحالة السياسية على إمام الحرمين، تمثل في المحنة الكبرى التي لحقت بأشاعرة نيسابور بافتعال حقيقي لها من عميد الملك أبي نصر الكندري (415 - 457 ه/ 1024 - 1604 م) ، الذي كان بمثابة الوزير الأول للسلطان السلجوقي طغرلبك. فقد حرض هذا الوزير وأوغر صدر السلطان على ملاحقة الأشاعرة والتنكيل بهم، ومن ثم لعن شيخهم أبي الحسن الأشعري من على منابر مساجد نيسابور 1. وقد سوغت هذه الملاحقة من قبل السلطة السلجوقية الحاكمة بالحرص على تنقية العقيدة السنية في الصفات الإلهية من التقريرات الأشعرية المنافية لها 2. لكن حقيقة الأمر أن هذه التسويغات لم تكن إلا بمثابة تمويهات لدوافع سياسية أخفاها عميد الملك الكندري.
وقد دفعت هذه المحنة بالجويني وأقطاب الأشاعرة في نيسابور كالبيهقي (- 456 ه/ 1063 م) والقشيري (- 465 ه/ 1072 م) والرئيس الفراتي إلى الهرب منها، واتجهوا إلى الحجاز 3، حيث كانت السلطة هناك للخلافة الفاطمية.
لكن هذا الضيم الذي لحق بإمام الحرمين وأصحابه من الأشاعرة لم يدم طويلا، فبعد وفاة طغرلبك، وتسلم ألب أرسلان، السلطة، عزل هذا السلطان عميد الملك الكندري وقتله 4، ثم استوزر نظام الملك (غياث الدولة) الذي كان يتمذهب للشافعي في الفروع وللأشعري في الأصول 5. فسارع نظام الملك إلى إعادة الاعتبار لأشاعرة نيسابور بخاصة، وأشاعرة الحواضر الإسلامية الأخرى بعامة، فرجع الجويني وأقرانه إلى نيسابور معززين مكرمين، وربطت الجويني بهذا الوزير علاقات حميمة أثمرت عدة مؤلفات أهداها الجويني له وعنونها باسمه 6.
1)الذهبي، تاريخ الإسلام، حوادث (441 - 460) ص 13، والشيرازي، المعونة في الجدل، مقدمة المحقق ص 17.
2)ابن كثير، البداية والنهاية ج 12 ص 64.
3)السبكي، طبقات الشافعية الكبرى ج 4 ص 271.
4)ابن خلكان، وفيات الأعيان ج 5 ص 142.
5)السبكي، طبقات الشافعية ج 4 ص 312.
6)مثل غياث الأمم في التياث الظلم، والنظامية في الأركان الإسلامية.