فهرس الكتاب
الصفحة 13 من 275

ساهمت الحالة السياسية المضطربة التي عمت الديار الإسلامية في هذا العصر وعلى نحوفاعل في تردي الحالتين الاقتصادية والاجتماعية في مختلف أرجاء العالم الإسلامي آنذاك، ففي بغداد والموصل ونيسابور استفحل أمر العيارين، واشتد خطرهم، حيث لم يردعهم رادع، وكأن أصحاب الشوكة قد غضوا الطرف عنهم لإلهاء الناس بهمومهم الحياتية، وبذلك تصرف أنظارهم عما يدور حولهم من أحداث سياسية وعسكرية.

وأخذ العيارون في هذه المدن وغيرها، يغيرون في وضح النهار على البيوت والمحال التجارية، ويسرقون ما تقع عليه أيديهم، ويفرضون عليهم الخوات 1، وإذا ما خابت مساعيهم، تحولوا إلى إيقاع الأذى والإهانات بهؤلاء الناس، لعلهم يدلونهم على المكان الذي يخفون فيه مدخراتهم وصرائرهم 2، وكانت الشرطة لا تجرؤ على توفير الحماية لهؤلاء المساكين خوفا من أن تمتد يد القتل إليهم 3.

وقد وزع العيارون شوارع المدن التي كانوا يعيثون بها فسادا بينهم، مما حدا بكثير من الأهالي والتجار إلى سد مداخل زواريبهم بأعمدة حديدية 4.

لكن ذلك لم يجد نفعا، وبقي الناس تحت رحمة العيارين، أما الخليفة فقد كان أعجز من رعيته في دفع شرهم، إذ طالما تعرضت دار الخلافة إلى السرقة والنهب 5.

ولم يقتصر أذى العيارين على السرقة والنهب وفرض الخوات، وإنما تعدى ذلك بإعلان مظاهر الفسق والفجور وشرب الخمر، وإقامة حفلات الرقص ليلا ونهارا حتى في شهر رمضان المبارك.

وقد أطنب المؤرخون في ذكر هذه المظاهر، ومن الأمثلة التي يروونها، قصة ذلك الشيخ المسكين الذي مر في طريقه إلى المسجد بمجلس للغناء والرقص أقامه العيارون في شهر

1)ابن الجوزي، المنتظم ج 7 ص 153، وابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 9 ص 353.

2)ابن الجوزي، المنتظم ج 8 ص 22، وابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 9 ص 353.

3)ابن الجوزي، المنتظم ج 7 ص 287، وابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 9 ص 432.

4)ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 9 ص 353.

5)ابن الجوزي، المنتظم ج 8 ص 82،192.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام