أما في الفصل الخاص بإثبات نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد انقلب على ما ذكره في الإرشاد، ونفى أن يكون وجه الإعجاز في القرآن الكريم قد حصل بالنظم، والبلاغة، والجزالة، والإنباء عن قصص الأولين، والإخبار بالمغيبات 1، ثم يحصر هذا الإعجاز في صرف العباد ومنعهم من الإتيان بمثله، إذ يقول: «فتبين قطعا أن الخلق ممنوعون من مثل ما هوفي مقدورهم، وذلك أبلغ عندنا من خرق العوائد بالأفعال البديعة في أنفسها. ثم يقول: «فإذا لم تجر المعارضة، لم يبق لامتناعها مع توفر الدواعي عليها محمل إلا صرف الله الخلق» 2. وهوهنا يقترب من موقف بعض المعتزلة 3.
وفي الفصل الذي خصصه الجويني للإيمان، قسمه إلى أربعة أركان:
بحث في الأول منها حقيقة الإيمان، وفي الثاني العصاة من أهل الإيمان، وفي الثالث زيادة الإيمان ونقصانه، وهوفي هذه الأركان الثلاثة إرشادي، بمعني أنه كرر ما ذكره بخصوصها في الإرشاد ولم يضف جديدا 4.
أما الركن الرابع فقد بحث فيه مسألة الاستثناء وقول من سلف: إنا مؤمنون إن شاء الله عز وجل. وهنا يؤكد الجويني أن جماهير أهل السنة، خواصهم وعوامهم «على عقد صحيح في الدين يتعلق بالمعتقد على ما هوبه» 5. ثم يبين أن هذا العقد ليس بمعرفة، وأن الله تعالى لم يكلف عباده «حقيقة معرفته ودرك اليقين في الدين» .
ويستدل على ذلك، بأن الصحابة لم يطالبوا بالبحث عن الأدلة، «وإنما
1)انظر: الإرشاد ص 349، ولمع الأدلة ص 125.
2)انظر ص 237، وقارن به: القاضي عبد الجبار، المغني في التوحيد والعدل ج 16 ص 322 - 328.
3)انظر: الباقلاني، إعجاز القرآن ص 99 وفيه نقلا عن بعض المعتزلة: «ليس في نظم القرآن وتأليفه إعجاز، وإنه يمكن معارضته، وإنما صرفوا عنه ضربا من الصرف» . وانظر أيضا: والشهرستاني، نهاية الإقدام ص 423، والملل والنحل 56، 57، 103، والأشعري، مقالات الإسلاميين ص 225، عبد الرحمن بدوي، مذاهب الإسلاميين ج 1 ص 219.
4)قارن ص 257 من هذا الكتاب، بالإرشاد ص 396.
5)انظر ص 267.