والشرية، وهاتان الصفتان تضافان إلى هذه الأفعال بعد تعلق أفعال العباد بأوامر الله تعالى ونواهيه، فإذا تعلقت إرادة العبد بأحد هذه الأفعال المجردة، وفق ما أمر الله تعالى فقد هذا الفعل حياده، واتصف بالخيرية، أما إذا تلبست هذه الإرادة بفعل نهى الله تعالى عنه، اكتسب هذا الفعل صفة الشرية 1.
وقد بحث إمام الحرمين مسألة الرؤية باقتضاب شديد، ولم يخرج فيما قرره هنا عن آرائه وآراء الأشاعرة السابقين له، فالرؤية جائزة، وقد سبق تقدم إجماع سلف الأمة على ذلك 2.
أما في فصل الوحدانية فقد استخدم أبوالمعالي ما اصطلح الأصوليون على تسميته بالغيرين والمثلين في إثبات الوحدانية لله تعالى، وهوهنا لا يتجاوز ما ذكره في الإرشاد، إذ كرر فيه الدليل الذي اعتادت الأشاعرة على سوقه لإثبات استحالة وجود إلهين، وهوحتمية تعارض إرادتيهما 3.
بين الجويني أولا أن الله تعالى لا يناسب الأجرام المتحيزة، والأجسام المتحيزة لا تناسبه، وإذا افترض موجودان متحيزان، كانا متغايرين وإن اشتركا بصفة التميز، وذلك لانفراد حيز كل منهما كل منهما عن الآخر. وإن افترض موجودان غير متحيزين فهما متساويان في انتفاء صفة التحيز عنهما، لأن أحدهما ليس مختصا بالثاني اختصاص الصفة بالموصوف، فإن لم يختص أحدهما بحيز عن الثاني، ولم يختص بالثاني لم يتعددا قطعا 4.
ويعقد الجويني بابا مطولا لبحث مسألة خلق أفعال العباد، تحت عنوان العبودية والصفات المرعية في ثبوت الطلبات التكليفية، ويكاد يكون هذا الباب أهم ما جاء في هذه العقيدة، إذ أعلن فيه صراحة بتأثير القدرة الحادثة في العبد في مقدورها، وبذلك يكون خالف ما ذكره في الإرشاد واللمع 5، وما
1)الباقلاني، الإنصاف ص 147، 149.
2)انظر ص 177 من هذا الكتاب، وقارن به: الإرشاد ص 176، واللمع ص 115.
3)قارن ص 181 - 182 من هذا الكتاب، والإرشاد ص 52.
4)انظر ص 182.
5)ذهب الجويني في الإرشاد ص 209، ولمع الأدلة ص 121، إلى أن القدرة الحادثة لا تؤثر في مقدورها وحصر دورها في اكتساب الفعل المخلوق بقدرة الله تعالى.