الآيات وعدم الأخذ بدلالاتها الظاهرة 1، وهوهنا يعلن صحة موقف أهل السلف من هذه الآيات، ويلتزم بهذا الموقف إذ يقول: «وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل، وإجراء الظواهر على مواردها، وتفويض معانيها إلى الرب تعالى، والذي نرتضيه رأيا، وندين الله به عقلا، اتباع سلف الأمة، فالأولى الاتباع وترك الابتداع، والدليل السمعي القاطع في ذلك: إن إجماع الأمة حجة متبعة» 2.
ويرى الجويني أن هذا الإجماع قد تمثل في موقف الصحابة والتابعين، الذين أعرضوا عن تأويل هذه الآيات، وإدراك ما فيها، ولوكان التأويل مسوغا، لبادر هؤلاء إليه، لذا «فحق على كل ذي دين، أن يعتقد تنزه الباري عن صفات المحدثين، ولا يخوض في تأويل المشكلات، ويكل معناها إلى الرب تبارك وتعالى» 3. ومن ذلك يتضح أن الجويني قد هجر تأويل الصفات الإلهية الخبرية كما هوأس عند الأشاعرة، وانضم إلى سلف الأمة في تفويض أمرها إلى الله تعالى.
ويدعي الجويني أنه قد أصاب كبد الحقيقة عند ما قرر أن أفعال الله مجردة عن الخير والشر، فجميع الأفعال في حكمه متساوية، أما الاختلاف في مراتبها فهو «بالإضافة إلى العباد» 4. وإمام الحرمين هنا لم يضف شيئا جديدا، ولم يصب شيئا، فهوإما أن يكون قد اطلع على ما ذكره الباقلاني في كتابه الرائع «الإنصاف» ، وتجاهل ذلك عمدا، ونسب ذلك إلى نفسه، وهذا مخجل بحق إمام له مثل هذه المنزلة. وإما أن يكون لم يحظ بهذا الاطلاع، وهذا مستبعد تماما، لأنه يعترف صراحة أنه حفظ الكثير مما كتبه الباقلاني، إذ يقول: «ما تكلمت في علم الكلام كلمة حتى حفظت من كلام القاضي أبي بكر وحده اثنتي عشرة ألف ورقة» 5.
قرر الباقلاني أن أفعال الله في دائرة التكليف مجردة عن الخيرية
1)ابن فورك، مجرد مقالات الأشعري ص 42، والباقلاني، الإنصاف ص 21.
2)انظر ص 166.
3)انظر ص 166.
4)انظر ص 171.
5)السبكي، طبقات الشافعية ج 5 ص 185.