فهرس الكتاب
الصفحة 83 من 209

باب ما جاء في تخليق السماوات والأرض وغيرها من الخلائق

حديث:"ثم خرج فصلى للناس الصبح"

27 -باب ما جاء في تخليق السماوات والأرض وغيرها من الخلائق، وهو فعل الرب تبارك وتعالى وأمره، فالرب بصفاته وفعله وأمره وكلامه، وهو الخالق المكون غير مخلوق، وما كان بفعله وأمره وتخليقه وتكوينه، فهو مفعول مخلوق مكون.

7452 - حدثنا سعيد بن أبي مريم أخبرنا محمد بن جعفر أخبرني شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن كريب عن ابن عباس قال: بت في بيت ميمونة ليلة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - عندها لأنظر كيف صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالليل، فتحدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع أهله ساعة، ثم رقد فلما كان ثلث الليل الآخر، أو بعضه قعد، فنظر إلى السماء، فقرأ: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إلى قوله: لِأُولِي الْأَلْبَابِ ثم قام فتوضأ واستن، ثم صلى إحدى عشرة ركعة، ثم أذن بلال بالصلاة، فصلى ركعتين، ثم خرج فصلى للناس الصبح .

الشرح:

تخليق الرب فعل من أفعاله، وهي من صفات الأفعال. قوله (وأمره) : وهو قوله للشيء كن فيكون، قال -تعالى-: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فأمره وتخليقه وفعله كلها من صفات الله -عز وجل-، بخلاف المفعول المنفصل المخلق، كالسماوات المخلوقة. فالتخليق فعل الرب صفة من صفاته، والمخلوق هو المفعول المنفصل، ففعل الرب صفة من صفاته، والمفعول هو المخلوق، وأمر الرب صفة من صفاته، والمأمور وهو المخلوق منفصل وهكذا.

والرب -سبحانه وتعالى- قائم بأسمائه وصفاته وأفعاله وأمره، وهو الخالق المكون وما سواه -سبحانه وتعالى- مخلوق مفعول مكون، فالسماوات مخلوقة مكونة مفعولة لله -عز وجل- والتخليق فعل الرب صفة من صفاته، فلا بد من التفريق بين التخليق وهو فعل الرب، والمخلوق وهو المفعول المنفصل، وفعل الرب الذي هو صفة من صفاته، والمفعول وهو المخلوق المنفصل.

وأهل البدع لا يفرقون بينهما، فليس عندهم فعل ومفعول، بل عنده شيء واحد، أن الفعل هو المفعول والخلق هو المخلوق. وهذا غلط محض.

ولذلك البخاري -رحمه الله- دقيق في هذا، وهو من أئمة أهل السنة والجماعة فرق بين فعل الرب وبين المفعول المنفصل. فقال: ( ما جاء في تخليق السماوات والأرض وغيرهما من الخلائق، وهو فعل الرب -تبارك وتعالى- وأمره...) : والمعنى أن فعل الرب وتخليقه وأمره قائم بنفسه، فالرب -سبحانه وتعالى- بأسمائه وصفاته وأفعاله وأمره قائم بنفسه، وهو الخالق المكون، وما سواه مخلوق مفعول مكون.

والحديث يدل على فوائد منها:

جواز نوم الصبي مع الرجل وأهله إذا كان محرمًا؛ لأنه جاء في رواية أخرى أنه قال: نام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهله في طول الوسادة، ونمت في عرضها وهو صبي -رضي الله عنه-، وميمونة -رضي الله عنها- خالته. وقد نام عند النبي - صلى الله عليه وسلم - لينظر صلاته، وكان صغيرا، وفيه مشروعية تحدث الرجل مع أهله ساعة ليؤنسهم، والمراد بالساعة الجزء من الزمن، وليس المراد الساعة المعروفة الآن، وهي ستون دقيقة.

وفيه مشروعية قيام الليل ، وقراءة هذه الآيات عند الاستيقاظ من النوم، وفي اللفظ الآخر: أنه لما انتصف الليل، أو قبله بقليل، أو بعده بقليل قام النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر الله، وقرأ الآيات من آخر سورة آل عمران: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ حتى ختم السورة .

وفي الحديث مشروعية التسوك عند الوضوء ، وفيه أنه صلى إحدى عشرة ركعة، وهذا هو الغالب من فعله - صلى الله عليه وسلم - وربما زاد كما في حديث ابن عباس الآخر أنه صلى ثلاث عشرة ركعة، وربما نقص كما جاء في البخاري أنه أوتر بثمان، وأوتر بأقل من ذلك، ثم جاء أذان بلال فصلى -عليه الصلاة والسلام- ركعتين، وهاتان الركعتان هما السنة الراتبة، ثم خرج، فصلى للناس الصبح.

والشاهد من الترجمة قوله -تعالى-: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ فخلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار، من خلق الله -عز وجل- فالله -تعالى- خلقها، فهي مخلوقة مكونة، فالتخليق فعل الرب، وهي مخلوقة مكونة منفصلة.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام