7529 - حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال الزهري عن سالم عن أبيه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن، فهو يتلوه آناء الليل، وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالا، فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار سمعت سفيان مرارًا لم أسمعه يذكر الخبر، وهو من صحيح حديثه.
الشرح:
قوله: (لا حسد إلا في اثنتين) المعنى أنه لا حسد جائز أو مباح إلا في اثنتين، والحسد هنا -كما ذكرنا- المراد به الغبطة، فهذا الذي يغبط عليه المرء في الحقيقة، أما من آتاه الله العلم، ولم يعمل به، فهذا لا يغبط، أو إنسان آتاه الله مالا يجمعه من حلال وحرام، ويتخبط به، فهذا لا يغبط في الحقيقة، قوله: (فهو يتلوه...) المراد بالتلاوة هنا أي: العمل به، ومن العمل التلاوة؛ لأن التلاوة نوعان:
1 -تلاوة حروفه.
2 -العمل به: يسمى تلاوة، ومنه قوله تعالى: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أي: يعملون به. ومنه ما جاء في الحديث في قصة الرجل الذي يضرب في قبره حينما يسأل: من ربك ما دينك من نبيك، فيقول: ها ها لا أدري، فيضرب بمرزبة من جديد، فيقال له: لا دريت ولا تليت …لا دريت: أي: لم تعمل بنفسك، ولا تليت: أي: ولا تبعت من يعمل به، فعملت مثل عمله، فالمراد بالتلاوة هنا العمل به.
ومعنى الحديث -كما سبق في الحديث الذي قبله- أن الأول رجل آتاه الله القرآن، فهو يعمل به ومن ذلك تلاوته، فعمله منسوب إليه، وفي الحديث الآخر: رجل آتاه الله الحكمة، فهو يقضي بها ويعلمها والحكمة هي العلم النافع المأخوذ من القرآن والسنة، ومن العمل بالقرآن العمل بالسنة؛ لأن السنة موضحة للقرآن وشارحة له وتابعة له، فالذي آتاه الله القرآن يقرؤه آناء الليل وآناء النهار، هو الذي يعمل بالكتاب والسنة، والثاني من أعطاه الله مالا ينفقه في سبل الخيرات كما سبق.
والشاهد بيان أن هذه أعمالهم نسبت إليهم، فالأول نسب إليه القيام بالقرآن،والثاني نسبت إليه النفقة في سبل الخير، فهي فعل له، فدل على أن أفعال العباد منسوبة إليهم ويثابون على حسنها، ويعاقبون على سيئها، لا كما تقوله الجبرية الذين يقولون: إن العبد لا فعل له، وأفعاله أفعال الله.
فائدة:
الجبرية هم الذين يقولون: إن الإنسان مجبور على أعماله، وغلاة الصوفية الذين يقولون: بوحدة الوجود. أول الأمر كانوا جبرية ينكرون أفعال العبد، ويجعلونها أفعالا لله، ثم ينكرون العبد، ويقولون: ليس هناك عبد ولا رب، فالعبد هو الرب، والرب هو العبد.
فائدة:
اشتهر عن الإمام أحمد -رحمه الله- أنه قال: (من قال لفظي القرآن مخلوق، فهو جهمي، ومن قال: غير مخلوق فهو مبتدع) فسد الباب من الجهتين؛ لأن اللفظ قد يراد به الملفوظ عند بعض الناس، فيكون معنى قوله: (لفظي بالقرآن مخلوق) أي: ملفوظه، وهذا خطأ، ومن قال: (غير مخلوق) لأن الملفوظ قد يراد به اللفظ أيضًا، فسد -رحمه الله الباب- من الجهتين.