45 -باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: رجل آتاه الله القرآن، فهو يقوم به آناء الليل، وآناء النهار، ورجل يقول: لو أوتيت مثل ما أوتي هذا فعلت، كما يفعل فبين أن قيامه بالكتاب هو فعله وقال: وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ وقال: -جل ذكره-: وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ .
الشرح:
المقصود بهذه الترجمة بيان أن أقوال وأفعال الإنسان منسوبة إليه ومن ذلك تلاوته للقرآن، فهو فعل للإنسان؛ لذلك قال: (رجل آتاه الله القرآن) والبخاري -رحمه الله- وجه الدلالة فقال: (فبين أن قيامه بالكتاب هو فعله) أي: أن قيامه به هو عمله منسوب إليه، فالذي يقوم بالقرآن، ويعمل به، ويتلوه فتلاوته وقيامه عمل له منسوب إليه، والمتلو هو كلام الله -عز وجل- غير مخلوق، وإتيان هذه الترجمة بعد الترجمة السابقة، فيها تعميم بعد تخصيص؛ لأن الترجمة السابقة، وهي قوله: وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ وهي في أقوال الإنسان، وهذه الترجمة عامة في الأقوال والأفعال، وكلها منسوبة إلى العبد، وفيه كما ذكرنا رد على الجبرية الذين يقولون: إن الأفعال أفعال الله، فهو المصلي والصائم والقائم، والناس وعاء لهذه الأفعال مجبورون عليها، وهذا -كما ذكرنا- باطل من أوجه كثيرة. قوله: (فعلت كما يفعل) : فنسب الفعل إليه، ونسب الفعل إلى الأول. وجاء في الحديث الآخر أنهما في الأجر سواء، بسبب التمني الذي تمناه.
قوله: وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ هذا هو الشاهد من الآية، فنسب اختلاف الألسن إليهم، وهذا يشمل الكلام كله، ومن ذلك تلاوة القرآن، فاختلاف كلام الناس منسوب إليهم، أما المتلو وهو القرآن فهو كلام الله، عز وجل.
قوله: (وافعلوا الخير...) وجه الدلالة منها أن من فعل الخير تلاوة القرآن، فهي عمل الإنسان يفعله، ويثاب عليه، أما المتلو فهو كلام الله.
وهذا يدل على دقة فهم البخاري -رحمه الله- في استنباطاته.