فهرس الكتاب
الصفحة 114 من 209

إثبات الاستماع لله وهو من الصفات الفعلية

7482 -حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أنه كان يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: ما أذن الله لشيء ما أذن للنبي - صلى الله عليه وسلم - يتغنى بالقرآن، وقال صاحب له: يريد أن يجهر به .

الشرح:

فيه إثبات أن القرآن كلام الله. قوله: (ما أذن الله لنبي) : أي: ما استمع، ففيه إثبات الاستماع لله وهو من الصفات الفعلية، التي تليق بجلاله وعظمته، والمراد (بالنبي) في الحديث الجنس، أي: جنس النبي، وليس المراد به نبيًّا بعينه.

والمعنى: ما استمع الله لشيء، ما استمع لنبي يتغنى بالقرآن، أي: يُحَسّن صوته بالقراءة.

قوله: (وقال صاحب له: يتغنى أي: يجهر به) : أي: قال صاحب لأبي هريرة تفسير يتغنى أي: يجهر بالقراءة. والصواب أن معنى يتغنى بالقرآن: أي: يُحَسّن صوته بالقراءة؛ ولذا روي في الحديث: من لم يتغن بالقرآن فليس منا ورُوي عن سفيان: أن معنى (يتغنى) أي: يستغني بالقرآن عن غيره. وهذا قول ضعيف، وهو غريب من سفيان.

والمراد (بالقرآن) أي: المقروء، أي: جنس كلام الله، وهذا هو الشاهد من الحديث، فهو يتغنى بالقرآن الذي هو كلام الله. فدل على إثبات أن القرآن كلام الله، ومن ذلك تغني داود -عليه السلام- بالزبور فكان إذا قرأ القرآن، أي: المقروء؛ لأن القرآن هنا اسم جنس، والمراد به الزبور، فكان -عليه السلام- إذا قرأ اجتمعت الطير، وجاوبته الجبال، كما قال -تعالى-: إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ وفي الآية الأخرى: يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ فكان -عليه السلام- حسن الصوت، فإذا قرأ الزبور جاوبته الجبال، واجتمعت له الطيور والوحوش.

وكان أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه- حسن الصوت، قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم: لقد أوتي مزمارًا من مزامير آل داود أي: أوتي صوتًا حسنًا. حتى قال أبو موسى لو علمت باستماعك لقراءتي لحبرته لك تحبيرًا أي: حسنته لك تحسينًا. فهذا يفيد مشروعية تحسين الصوت والتخشع عند تلاوة القرآن، فقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ سورة الفتح وجعل يرجع ترجيعا إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا آآآ .

بتكرار الهمزة. فالترجيع هو ترديد الصوت، والحرف لأجل التشخع، وليس سببه اضطراب دابة الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما قال بعضهم.

فكلام الله مكتوب في المصاحف، ومقروء بالألسن، ومحفوظ في الصدور. أما الأشاعرة فيقولون: ليس في المصحف كلام الله، وليس بحرف وصوت. بل كلام الله معنى قائم بنفسه؛ ولذا كما ذكرنا سابقًا، عندهم أن من وطئ المصحف بقدميه لم يكن عليه بأس؛ لأنه ليس في المصحف كلام الله.

فائدة:

من قال: إن الصوت صوت القارئ، والكلام كلام البارئ، كلامه صحيح. فأنت تقرأ كلام الله بصوتك أنت. ولهذا يقال: فلان حسن الصوت، وفلان ليس بحسن الصوت. وسيأتي ما ذكره الرسول - صلى الله عليه وسلم -، عن الخوارج أنهم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم فدل على أنها أفعال لهم.

أما الأشاعرة فلهم في كلام الله ثلاثة أقوال، كما ذكرنا من قبل:

1 -أن الكلام معنى قائم بنفسه، لا يسمع، وليس بحرف ولا صوت، فاضطر الله جبريل ففهم المعنى القائم بنفسه، فعبر بهذا القرآن، فهو كلام جبريل

2 -أن جبريل هو الذي ألقاه على محمد -عليه الصلاة والسلام-، وعبر به محمد فهو عبارة، عن قول محمد عليه الصلاة والسلام.

3 -أن جبريل أخذه من اللوح المحفوظ، ولم يتكلم الله بالقرآن، فهو ليس بحرف ولا صوت يسمع، بل هو قائم بنفسه كالعلم قائم بنفسه. هذا قول الأشاعرة والكلابية

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام