7499 - حدثنا محمود حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني سليمان الأحول أن طاوسًا أخبره أنه سمع ابن عباس يقول: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا تهجد من الليل قال: الله لك الحمد، أنت نور السماوات والأرض، ولك الحمد، أنت قيم السماوات والأرض، ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن، أنت الحق ووعدك الحق، وقولك الحق ولقاؤك الحق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت إلهي لا إله إلا أنت .
الشرح:
هذا نوع من أنواع الاستفتاحات التي وردت، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستفتح به في قيام الليل في صلاة التهجد، قوله: (أنت نور السماوات والأرض) : على لفظ الآية: (الله نور السماوات والأرض) والنور صفة من صفات الله، كما في الحديث الآخر أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وقد ذكر ابن القيم -رحمه الله- في النونية أنه اسم من أسماء الله، فالنور اسمه وصفته سبحانه. قوله: (قيم السماوات) في رواية (أنت قيام) وفي رواية (أنت قيوم) والقيوم اسم من أسماء الله، قال -تعالى-: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ والعلة في الجمع بين الحي والقيوم؟ لأنه ترجع إليهما جميع الأسماء، فـ (الحي) متضمن لصفة الحياة. و (القيوم) متضمن للقيومية، وهو القائم بنفسه المقيم لغيره، ولا قيام لأحد إلا به، قال -تعالى- أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لهذا قال بعضهم: هذا هو الاسم الأعظم، الذي إذا سئل به -سبحانه- أعطى، وإذا دعي به أجاب، وجاء في ثلاث مواضع في القرآن،"الله لا إله إلا هو الحي القيوم"في آية الكرسي، وفي سورة آل عمران في أولها اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وفي سورة طه وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ .
وجاء في صحيح مسلم نوع آخر من الاستفتاحات، وهو ما روته عائشة -رضي الله عنها- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قام من الليل يقول: اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم فهذه الرواية فيها توسل النبي - صلى الله عليه وسلم - بربوبية الله -تعالى- لهؤلاء الأملاك الثلاثة جبريل وميكائيل وإسرافيل ؛ لأنهم أوكلوا بما فيه الحياة، فجبريل أوكل بالوحي الذي فيه حياة القلوب والأرواح، وميكائيل أوكل بالقَطْر الذي تحيا به الأجساد والنبات، وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور، الذي فيه إعادة الأرواح بعد موتها، وهؤلاء هم أفضل الملائكة ومقدمهم.
وأصح ما ورد في الاستفتاحات، وهو مختصر، ما أخرجه الشيخان، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- في استفتاح النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة عمومًا قال: اللهم باعد بيني وبين خطاياي، كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي، كما ينقي الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد هذا من أصح ما ورد في الاستفتاحات؛ لإخراج البخاري ومسلم له. ومن الاستفتاحات المختصرة، ما ورد، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك ولا إله غيرك هذا من أخصر الاستفتاحات وأفضلها في ذاته؛ لأنه ثناء على الله عز وجل. وهذا رواه مسلم لكن بسند منقطع، لكن يعضده أن عمر -رضي الله عنه- كان يلقنه الناس على المنبر.
والحديث فيه إثبات أن الله نور السماوات والأرض، وأن قيام السماوات والأرض، إنما هو بأمره، كما قال -تعالى-: وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ وقال وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ وفيه إثبات ربوبية الله للسماوات والأرض كما قال: ( ولك الحمد، أنت رب السماوات والأرض) ، وفيه إثبات أن الله هو الحق، وأن قول الله هو الحق، ووعده حق، والجنة حق والنار حق، و النبيون حق، والساعة حق، ثم التجأ إلى الله في آخره فقال: (اللهم بك أسلمت...) ثم سأل الله المغفرة فقال: (فاغفر لي ما قدمت، وما أخرت...) ثم اعترف بربوبية الله -تعالى- فقال: (أنت ربي، لا إله إلا أنت) فهو استفتاح عظيم.
والشاهد من الحديث قوله: (وقولك الحق) ففيه إثبات الكلام لله -عز وجل-، وأن الله يتكلم بحرف وصوت يُسمع، وأن الكلام صفة من صفاته قائمة بذاته -سبحانه وتعالى-، وأن الكلام أنواع، والقرآن من كلام الله -عز وجل-، فقوله في الحديث السابق: (يقول الله -تعالى-: أعددت لعبادي الصالحين..) هذا من كلام الله، وليس من القرآن.