على هذا كانت البيعة والدعوة مطاردة في مكة وعلى هذا كان البيع والشراء.ولم يمنح اللّه المسلمين النصر والتمكين والاستعلاء ولم يسلمهم مقاليد الأرض وقيادة البشرية،إلا حين تجردوا هذا التجرد،ووفوا هذا الوفاء:
فعَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ:لَمَّا جَاءَتِ الْأَنْصَارُ وَعَدَهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْعَقَبَةَ ،فَأَتَاهُمْ وَمَعَهُ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:"يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ تَكَلَّمُوا وَأَوْجِزُوا فَإِنَّ عَلَيْنَا عُيُونًا"فَقَالَ أَبُو أُمَامَةَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:اشْتَرِطْ لِرَبِّكَ وَاشْتَرِطْ لِنَفْسِكَ وَاشْتَرِطْ لِأَصْحَابِكَ ،فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -:"أَشْتَرِطُ لِرَبِّي أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ،وَلِنَفْسِي أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ ،وَلِأَصْحَابِي الْمُسَاوَاةَ فِي ذَاتِ أَيْدِيكُمْ"ثُمَّ خَطَبَ خُطْبَةً لَمْ يَخْطُبِ الْمُرْدُ وَلَا الشِّيبُ خُطْبَةً مِثْلَهَا قَالَ:فَمَا لَنَا قَالَ:"الْجَنَّةُ"قَالَ:ابْسُطْ يَدَكَ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ بَايِعُكَ.ثُمَّ رَجَعْنَا إِلَى حَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:فَقَالَ يَعْنِي أَبَا أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:رُوَيْدًا يَا أَهْلَ يَثْرِبَ ،إِنَّا لَمْ نَضْرِبْ إِلَيْهِ أَكْبَادَ الْمَطِيِّ إِلَّا وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ،وَإِنَّ إِخْرَاجَهُ الْيَوْمَ مُفَارَقَةُ الْعَرَبِ كَافَّةً وَقَتْلُ خِيَارِكُمْ وَأَنْ تَعَضَّكُمُ السُّيُوفُ ،فَإِمَّا أَنْتُمْ قَوْمٌ تَصْبِرُونَ عَلَيْهَا إِذَا مَسَّتْكُمْ وَقُتِلَ خِيَارُكُمْ وَمُفَارَقَةُ الْعَرَبِ كَافَّةً فَخُذُوهُ وَأَجْرُكُمْ عَلَى اللهِ ،وَإِمَّا أَنْتُمْ تَخَافُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ خِيفَةً فَذَرُوهُ فَهُوَ أَعْذَرُ لَكُمْ عِنْدَ اللهِ ،فَقَالُوا يَا أَسْعَدُ أَمِطْ عَنْهُ يَدَكَ فَوَاللهِ لَا نَذَرُ هَذِهِ الْبَيْعَةَ وَلَا نَسْتَقِيلُهَا ،قَالَ:فَقُمْنَا إِلَيْهِ رَجُلًا رَجُلًا يَأْخُذُ عَلَيْنَا بِشَرْطِ الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَيُعْطِينَا عَلَى ذَلِكَ الْجَنَّةَ." [1] "
هكذا.. «الجنة» ..والجنة فقط! لم يقل:النصر والعز والوحدة.والقوة.والتمكين.والقيادة.والمال.
والرخاء - مما منحهم اللّه وأجراه على أيديهم - فذلك كله خارج عن الصفقة! وهكذا..ربح البيع ولا نقيل ولا نستقيل..لقد أخذوها صفقة بين متبايعين أنهي أمرها،وأمضي عقدها.
ولم تعد هناك مساومة حولها! وهكذا ربى اللّه الجماعة التي قدر أن يضع في يدها مقاليد الأرض،وزمام القيادة،وسلمها الأمانة الكبرى بعد أن تجردت من كل أطماعها،وكل
(1) - أخبار مكة للفاكهي - (4 / 232) (2540 ) صحيح لغيره