ولم تكن فتوح العلم والمعرفة في أغوار النفس بأقل منها في جسم الكون.فقد عرفوا عن الجسم البشري وتركيبه وخصائصه وأسراره الشيء الكثير.عرفوا عن تكوينه وتركيبه ووظائفه وأمراضه،وغذائه وتمثيله،وعرفوا عن أسرار عمله وحركته،ما يكشف عن خوارق لا يصنعها إلا اللّه.
وعرفوا عن النفس البشرية شيئا..إنه لا يبلغ ما عرفوه عن الجسم.لأن العناية كانت متجهة بشدة إلى مادة هذا الإنسان وآلية جسمه أكثر مما كانت متجهة إلى عقله وروحه.ولكن أشياء قد عرفت تشير إلى فتوح ستجيء..
وما يزال الإنسان في الطريق! ووعد اللّه ما يزال قائما: «سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ» ..
والشطر الأخير من الوعد قد بانت طلائعه منذ مطلع هذا القرن بشكل ملحوظ.فموكب الإيمان يتجمع من فجاج شتى.وعن طريق العلم المادي وحده يفد كثيرون! وهناك أفواج وأفواج تتجمع من بعيد.ذلك على الرغم من موجة الإلحاد الطاغية التي كادت تغمر هذا الكوكب في الماضي.ولكن هذه الموجة تنحسر الآن.
تنحسر - على الرغم من جميع الظواهر المخالفة - وقد لا يتم تمام هذا القرن العشرين الذي نحن فيه،حتى يتم انحسارها أو يكاد إن شاء اللّه.وحتى يحق وعد اللّه الذي لا بد أن يكون: «أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ؟» ..وهو الذي أعطى وعده عن علم وعن شهود. [1]
لذلك نرى القرآن الكريم في قضية الألوهية يقيم الأدلة من الكون ومن النفس ومن التاريخ على وجود الله وعلى وحدانيته وكماله.
وفى قضية البعث يدلل على إمكانه بخلق الإنسان أول مرة،وخلق السموات والأرض،وإحياء الأرض بعد موتها،ويدلل على حكمته بالعدالة الإلهية في إثابة المحسن،وعقوبة المسيء: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} (31) سورة النجم.
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (5 / 3130)