فهرس الكتاب
الصفحة 229 من 240

الكسب - وقد جعله ربه على هذه الحال لحكمة - حين يمد يده إليك،فاعلم أنه يمدُّها لله،وأنك مناول عن الله تعالى.

ونلحظ هذا المعنى في قوله تعالى: { مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً..} [الحديد:11] .

فسمَّى الصدقة قرضاً لله،لماذا؟ لأن هذا العبد عبدي،مسئول مني أن أرزقه،وقد ابتليتُه لحكمة عندي - حتى لا يظنّ أحد أن المسألة ذاتية فيه،فيعتبر به غيره - فمَنْ إذن يقرضني لأسُدَّ حاجة أخيكم؟

وقال تعالى: { يُقْرِضُ اللَّهَ...} [الحديد:11] مع أنه سبحانه الواهب؛ لأنه أراد أن يحترم ملكيتك،وأن يحترم انتفاعك،وسَعْيك..كما لو أراد والد أنْ يُجري لأحد أبنائه عملية جراحية مثلاً وهو فقير وإخوته أغنياء،فيقول لأولاده:اقرضوني من أموالكم لأجري الجراحة لأخيكم،وسوف أردُّ عليكم هذا القرض.إذن:فالمال مال الله،وأنت مناول عن الله تعالى. [1]

3-تحدثنا فى باب الإيمان بالقدر عن التوازن فى حس المسلم بين الإيمان بالقدر وبين الأخذ بالأسباب.وهو من أجمل خصائص العقيدة الإسلامية.إن المتواكلين يزعمون أنهم يتوكلون على الله ثم يهملون الأخذ بالأسباب.إن المتواكلين يزعمون أنهم يتوكلون على الله ثم يهملون الأخذ بالأسباب جملة فيصيبهم ما يصيبهم من فقر ومرض وجهل وعجز وهوان فى الأرض.وإن الجاهلية الأوربية من جانب آخر تأخذ بالأسباب منقطعة عن الله وقدره،فتنتج إنتاجاً مادياً ضخماً ما يصيبها من قلق واضطراب وأمراض عصبية ونفسية وجنون وانتحار وضياع لأنها تفقد الطمأنينة التى يجدها المؤمن لذكر الله ولقدر الله0

والإسلام يوازن موازنة جميلة بين هذين الحدين المتطرفين،فهو يعلم الناس أن هناك سننا ربانية يدير الله بها الكون المادى والحياة البشرية.وأنه لابد من اتباع هذه السنن ومجاراتها إذا رغبنا فى الوصول إلى نتائج معينة،ومقتضى ذلك هو الأخذ بالأسباب.ولكنه فى الوقت ذاته يربى المؤمن على ألا يتكل على الأسباب الظاهرة فيحبط عمله،إنما يظل قلبه موصولا

(1) - دروس وعبر من قصة قارون - (1 / 124)

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام