فهرس الكتاب
الصفحة 212 من 240

ثم تجيء الأرزاق المادية والتيسيرات المادية،والتمكين المادي،تبعا لهذا التحرر وهذا الانطلاق.كما حدث في تاريخ العصبة المسلمة،وهي تكتسح الجاهليات حولها،وتهيمن على مقاليد السلطان في الأرض،وتقود البشرية إلى اللّه،لتستمتع معها بفضل اللّه..

والذين يركزون على القيم المادية،وعلى الإنتاج المادي،ويغفلون تلك القيمة الكبرى الأساسية،هم أعداء البشرية الذين لا يريدون لها أن ترتفع على مستوى الحيوان وعلى مطالب الحيوان.

وهم لا يطلقونها دعوة بريئة ولكنهم يهدفون من ورائها إلى القضاء على القيم الإيمانية،وعلى العقيدة التي تعلق قلوب الناس بما هو أرفع من مطالب الحيوان - دون أن تغفل ضروراتهم الأساسية - وتجعل لهم مطالب أساسية أخرى إلى جوار الطعام والمسكن والجنس التي يعيش في حدودها الحيوان! وهذا الصياح المستمر بتضخيم القيم المادية،والإنتاج المادي،بحيث يطغى الانشغال به على حياة الناس وتفكيرهم وتصوراتهم كلها..وبحيث يتحول الناس إلى آلات تلهث وراء هذه القيمة،وتعدها قيمة الحياة الكبرى وتنسى في عاصفة الصياح المستمر..الإنتاج..الإنتاج..كل القيم الروحية والأخلاقية وتدوس هذه القيم كلها في سبيل الإنتاج المادي..هذا الصياح ليس بريئا إنما هو خطة مدبرة لإقامة أصنام تعبد بدل أصنام الجاهلية الأولى وتكون لها السيادة العليا على القيم جميعا! وعند ما يصبح الإنتاج المادي صنما يكدح الناس حوله ويطوفون به في قداسة الأصنام فإن كل القيم والاعتبارات الأخرى تداس في سبيله وتنتهك..الأخلاق.الأسرة.الأعراض.الحريات.الضمانات...

كلها..كلها إذا تعارضت مع توفير الإنتاج يجب أن تداس! فماذا تكون الأرباب والأصنام إن لم تكن هي هذه؟ إنه ليس من الحتم أن يكون الصنم حجرا أو خشبا.فقد يكون قيمة واعتبارا ولا فتة ولقبا! إن القيمة العليا يجب أن تبقى لفضل اللّه ورحمته المتمثلين في هداه الذي يشفي الصدور،ويحرر الرقاب،ويعلي من القيم الإنسانية في الإنسان.وفي ظل هذه القيمة العليا يمكن الانتفاع برزق اللّه الذي أعطاه للناس في الأرض وبالتصنيع الذي يوفر الإنتاج المادي وبالتيسيرات المادية التي تقلل من شدة الكدح وبسائر هذه القيم التي تدق

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام