النُّبُوَّةِ وَالْكَرَامَةِ وَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَإِلَى أَنْ يُبَايِعُوهُ وَيَمْنَعُوهُ مِمَّا يَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ أَجَابُوا وَصَدَّقُوا وَقَالُوا:اشْتَرِطْ لِرَبِّكَ وَلِنَفْسِكَ مَا شِئْتَ،قَالَ:"أَشْتَرِطُ لِرَبِّي أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا،وَأَنْ تَعْبُدُوهُ،وَأَشْتَرِطُ لِنَفْسِي أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ"فَلَمَّا طَابَتْ أَنْفُسُهُمْ بِذَلِكَ الشَّرْطِ اشْتَرَطَ لَهُ الْعَبَّاسُ وَأَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمَوَاثِيقَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعَظَّمَ الَّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الْعَقَبَةِ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيْهَانِ وَقَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ النَّاسِ حِبَالًا،وَالْحِبَالُ الْحِلْفُ وَالْمَوَاثِيقُ،فَلَعَلَّنَا نَقْطَعُهَا ثُمَّ تَرْجِعُ إِلَى قَوْمِكَ وَقَدْ قَطَعْنَا الْحِبَالَ وَحَارَبْنَا النَّاسَ فِيكَ،فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ قَوْلِهِ وَقَالَ:"الدَّمَ الدَّمَ،وَالْهَدْمَ وَالْهَدْمَ"فَلَمَّا رَضِيَ أَبُو الْهَيْثَمِ بِمَا رَجَعَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ قَوْلِهِ أَقْبَلَ عَلَى قَوْمِهِ فَقَالَ:يَا قَوْمِ،هَذَا رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا،أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَصَادِقٌ،وَإِنَّهُ الْيَوْمَ فِي حَرَمِ اللَّهِ وَأَمْنِهِ بَيْنَ ظَهْرَيْ قَوْمِهِ وَعَشِيرَتِهِ،فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِنْ تُخْرِجُوهُ تَرْمِكُمُ الْعَرَبُ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ،فَإِنْ كَانَتْ طَابَتْ أَنْفُسُكُمْ بِالْقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَذَهَابِ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ فَادْعُوهُ إِلَى أَرْضِكُمْ،فَإِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا،وَإِنْ خِفْتُمْ خِذْلَانَهُ فَمِنَ الْآنَ،فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ:قَبِلْنَا عَنِ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ،فَخَلِّ بَيْنَنَا يَا أَبَا الْهَيْثَمِ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ فَلْنُبَايِعْهُ فَقَالَ أَبُو الْهَيْثَمِ:فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يُبَايِعُ،ثُمَّ تَتَابَعُوا كُلُّهُمْ،وَصَاحَ الشَّيْطَانُ مِنْ رَأْسِ الْجَبَلِ:يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ هَذِهِ بَنُو الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ تَحَالَفُ عَلَى قِتَالِكُمْ،فَفَزِعُوا عِنْدَ ذَلِكَ وَرَاعَهُمْ،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"لَا يَرُعْكُمْ هَذَا الصَّوْتُ،فَإِنَّمَا هُوَ عَدُوُّ اللَّهِ إِبْلِيسُ،لَيْسَ يَسْمَعُهُ أَحَدٌ مِمَّنْ تَخَافُونَ"وَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَصَرَخَ بِالشَّيْطَانِ فَقَالَ:"يَا ابْنَ أَزَبَّ،أَهَذَا عَمَلُكَ ؟ سَأَفْرُغُ لَكَ"وَبَلَغَ قُرَيْشًا الْحَدِيثُ فَأَقْبَلُوا حَتَّى إِنَّهُمْ لَيَتَوَطَّئُونَ عَلَى رَحْلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَا يُبْصِرُونَهُمْ فَرَجَعَتْ قُرَيْشٌ،وَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ أَخُو بَنِي سَالِمٍ:يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ شِئْتَ وَالَّذِي أَكْرَمَكَ مِلْنَا عَلَى أَهْلِ مِنًى بِأَسْيَافِنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:لَمْ أُومَرْ بِذَلِكَ وَكَانَ هَؤُلَاءِ النَّفَرُ اتَّفَقُوا عَلَى مَرْضَاةِ اللَّهِ وَأَوْفَوْا بِالشَّرْطِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ بِنَصْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ صَدَرُوا رَابِحِينَ رَاشِدِينَ إِلَى بِلَادِهِمْ وَجَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَلِلْمُؤْمِنِينَ مَلْجَأً وَأَنْصَارًا وَدَارَ هِجْرَةٍ""