والتحقيق أنه أمر بمسمَّى الاعتبار الذي يُقال عند الإطلاق، كما إذا قيل: أكرم هذا، أي افعل معه ما يسمى عند الإطلاق إكراماً وكذلك ما يسمى عند الإطلاق اعتباراً. والإنسان لا يُسمَّى معتَبِراً إذا اعتبر في قصة وترك ذلك في نظيرها، وكذلك لا يُقال: هو طاهر، أو متطهراً، أو مطهراً، إذا كان متطهّراً من شيء متنجّساً بنظيره.
ولفظ"الطاهر"كلفظ الطيب. قال تعالى: {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} [النور: 26] ، كما قال: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ} [النور: 26] .
وقد روى أنه قال لعمَّار: "ائذنوا له مرحباً بالطيّب المطيّب" [1] .
وهذا أيضاً كلفظ"المتقي"ولفظ"المزكّي". قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} [الشمس: 9 - 10] . وقال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} [التوبة: 103] . وقال: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى} [الأعلى: 14] . وقال: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ} [النور: 21] .
وليس من شرط المتقين ونحوهم أن لا يقع منهم ذنب، ولا أن يكونوا معصومين من الخطأ والذنوب. فإن هذا لو كان كذلك لم يكن في الأمة متق، بل من تاب من ذنوبه دخل في المتقين، ومن فعل ما يكفّر سيئاته دخل في المتقين، كما قال: {إِن تَجْتَنِبُوا كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا} [النساء: 31] .
فدعاء النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بأن يطهّرهم تطهيراً، كدعائه بأن يزكّيهم ويطيّبهم ويجعلهم متقين ونحو ذلك. ومعلوم أن من استقر أمره على ذلك، فهو داخل في هذا، لا تكون الطهارة التي دعا بها لهم بأعظم مما دعا به لنفسه. وقد قال:"اللهم طهّرني من خطاياي بالثلج والبرد والماء البارد". فمن وقع ذنبه مغفوراً أو مكفّراً فقد طهّره الله منه تطهيراً، ولكن من مات متوسّخاً بذنوبه، فإنه لم يطهّر منه في حياته.
وقد يكون من تمام تطهيرهم صيانتهم عن الصدقة التي هي أوساخ الناس. والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم إذا دعا بدعاء أجابه الله بحسب استعدد المحل، فإذا استغفر للمؤمنين والمؤمنات، لم
(1) الحديث عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه في: سنن ابن ماجه 1/ 52 (المقدمة، باب في فضائل أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فضل عمّار بن ياسر) ، المستدرك للحاكم 3/ 188 وقال:"هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه". وقال الذهبي:"صحيح".
والحديث أيضاً في: مصنف ابن أبي شيبة 12/ 118. وانظر تعليق المحقق.